بعد تحول مخرجات لجنة التحديث السياسي إلى قوانين نافذة، بدأ سباق محموم نحو التحزب، فباشر سياسيون وطامحون إلى اشغال أماكن في هذا السباق، مما أدى إلى إنتشار ظهور مشاريع أحزاب على الساحة المحلية فجأة كما البثور .
بالعين المجردة يلاحظ كل متابع للمشهد الوطني في الأردن أن هذه النقلة السريعة في الحياة العامة شكلت تحدياً للطامحين سياسياً في تعريف أنفسهم، وتحديد إحداثياتهم على المسطرة السياسية ولونهم على طيف الألوان الوطنية، ومن هنا بدأ أرق المتحزبين الجدد، فتارة يصبغون أنفسهم بلون المحافظ الغيور على الهوية ومرة أخرى بلون الليبرالي المدافع عن الحريات، ويا لها من سياحة حزبية.
والأجمل؛ ما لا يمكن إخفائه، أن تيار الديمقراطية الإجتماعية كان الوجهة الأكثر إقبالاً والمحطة الآمنة، ولغة اليسار الوسطي هي الحيّة النابضة والأكثر قبولاً عند الشارع، فهي ما ينتظره الناس وهي ضالتهم. ومع أن يسار الوسط يستوعب الجميع، المؤمنين بخيار الديمقراطية الإجتماعية، الصادقين في انحيازهم للفقراء، ولكنه لا يستوعب السياح، فالسائح يستمتع بالرحلة لكنه لا يحتمل المكوث طويلاً، لأن تكلفة أن تكون في هذا اللون باهظة، والدفاع عن إختيارها يتطلب مواجهة حقيقة مع رأس المال، والطريق فيها لا يحتمل ظلمته إلا من صدق.
السياسة ليست حكراً على أحد، للجميع الحق في اختيار لونه السياسي وتوجهاته التي يدعو إليها ويؤمن بها، وأنا هنا لا أدعو لاحتكار لون سياسي لأحد دون الآخر، لكن أدعو إلى الجدية في الطرح، وإلى احترام عقول الجماهير التي تكشف ببساطة كل زيف، فالعمل الحزبي يختلف عن العمل الفردي والشارع يرصد أداء الاحزاب .
إن الحرص على نجاح هذه التجربة (تجربة التحديث) ولكي تعود على الناس والبلاد بالنفع والعمار، تحتّم على الجميع الجديّة في أن يكون للأحزاب كلمتها ومصداقيتها، وأن تتحلى المشاريع الحزبية، القائمة والوافدة، بالمسؤولية والواقعية في تبنّي البرامج التي تستطيع الدفاع عنها.