ولدي طارق كلما زارنا جدك اثناء الدراسة خارج الاردن كان يقضي أوقاتا كثيرة مع أساتذتي يحدثهم عن الاردن عن عمله كحاكم اداري وعن الملك حسين وعاداته ... عن فخره بتراب الاردن ... جدك كان قامة عانقت السماء... كان يكره التزلف ويمقت الكذب ويحاور بحجة ومنطق.... كان شديد الاطلاع ويطرح فكره بجرأة ... لا يخشى في قول الحق لومة لائم...لقد تمت إحالته على التقاعد ثلاث مرات ... الاولى ترميج في الستينات وعمره لم يتجاوز الأربعين وعاد بعد شراسة في الحق والثانية عام ١٩٧١ .. وكانت كيديه وعاد .... وبترفيع استثنائي .... بعد مسيرة خمس وعشرون عام وبعد احداث السبعين قام وصفي التل بعملية واسع وترميج خمسون موظفا من كبار موظفي الدولة والحكام الإداريين وكان جدك منهم.... وقتها كان متصرفا للطفيلة
رفض جدك القرار وبقى على مدار شهرين يقول انا لا استحق ان اخرج من الحكومة طردا لا يمكن ان اقبل بذلك.... وأرسلت بعد ذلك ثلاثون برقية من الطفيلة تزعمها وقتها المرحوم عبدالله العوران وعبدالمهدي العطيوي وغيرهم من زعامات الطفيلة الأحرار ... أصر جدك ان يقابل وصفي التل وكان له ذلك... دخل على مكتبه برفقة طيب الذكر سعد الدين جمعه .... وبقي مع المرحوم وصفي لوحده .... مسك وصفي غليونه وقال .... لماذا هذا الشغب علي يا عودةالله ...
أجاب جدك بانه وخلال مدة خدمته حاكما اداريا لم ارتكب ذنبا مهما صغر ولكن بعض المتنفدين وأعطاه اسماء من حاربوه في كل موقع خدم به ..حاربوا جدك بدون وجه حق ... وأضاف أهذا ما علمتنا إياه ايها القومي العنيد في الحق لقد آمنت بكم قادة وطن مع الهاشميين أهذا ثمن ضريبة الإخلاص والتفاني .... لن اقبل الترميج فأما العودة او السجن ودولتك بهذا تكون حطمت مبدأ التضحية في العمل العام .... صمت وصفي وابتسم وتفهم ولم ينبت بكلمة وطلب سعد الدين جمعه.......
قال وصفي لسعد الدين جمعه... عودةالله يعاد الى عمله ويرفع استثنائيا وسال وصفي وين بدك تخدم ... قال جدك العودة الى الطفيلة... لعزة نفس رجالها ... وعاد شامخا ... كان جدك عنيدا وهذا ما اتعب مشواره على مد ثلاثون عاما في الخدمة العامة... ولكنه كان نصير الضعفاء ودوما على حق ...
وعدنا هناك ... كان منتصرا وانتصر وصفي للحق كعادتة ... وزار الطفيلة بعدها بشهرين .... وجولة وصفي التل وكان برفقته طيب الصيت عبدالوهاب المجالي وزار عين البيضاء والسلع والمعطن والتقى بأهلها الحمايدة وغداء عند القطامين ....الحمايدة الطيبيين وبعدهابصيرا والساعة السابعة مساء كان لقاء وصفي الأخير في عيمة ... عرسا وطنيا مع أهلي القابضين على الجمر... لحسن الحظ كنت هناك أرقب المشهد....
تقدم وصفي قبل المغادرة وكان الوقت التاسعة مساء ... وقال عودةالله وصاتك الطفايلة ... هم فزعة وطن وبرقياتهم مع عملك يا عودةالله فزعت ألك ...كانت هذه اخر مرة رأيت بها ذلك العملاق وصفي التل ....
نقل بعدها جدك الى المفرق متصرفا .... وبعدها بأشهر قليلة وإذ باتصال يطلب الوالد فأجاب الهاتف وصرخة مدوية في المنزل ولأول مرة ارى دمعة الوالد ... ...
وارتكن الى كنبة في صالة الجلوس ...
وقال فقدنا أتزاننا.. فقدنا وصفي.....
ذاكرة المكان والزمان والارتكاز على أساسات وأسوار الوطن حصن منيع لمستقبل مشرق ..