بالدرجة الأولى، أود أن اتقدم الى السيد زبيجنيو راو، رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشكري على كرم الضيافة الذي تلقته الوفود المشاركة في مجلس الوزراء. واتمنى نجاحاً للسيد بوجار عثماني، زميلنا الموقر من مقدونيا الشمالية خلال رئاسته القادمة لهذه المنظمة.
في السنة الحالية، نشهد مرور 30 عاماً على عضوية أذربيجان في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ما يصادف رئاستنا لمنتدى التعاون الأمني لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، حيث ظلت أذربيجان على امتداد 30 عاماً منصرماً، حتى خلال رئاستها للمنتدى أيضاً تسترشد بإيمانها القوي بأن التزاماً باحترام الأحكام والمبادئ والتعهدات الأساسية للمنظمة، لا سيما سيادة الدول ووحدة أراضيها وحرمة حدودها المعترف بها دولياً، بدءً من وثيقة هلسنكي الختامية، سوف يبقى أساساً للأمن والاستقرار، بما فيه التعاون في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
إن مبدأ اعتماد قرارات بناءً على إجماع، ينعكس جلياً في جميع القرارات الرئيسية التي أصدرتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. لقد عانت أذربيجان من استغلال الإجماع داخل المنظمة طوال السنوات. غير أننا كننا نشاهد دوماً الالتزام الجاد من قبل المنظمة بحرف وروح التعاون الأمني على أساس أدواتها المتعلقة بسلسلة الصراع. وفي هذا الصدد، فإن إرسال ما يسمى"بعثة تقييم الاحتياجات" إلى أرمينيا دون الإجماع، يُعدّ انتهاكاً واضحاً للتفويض الذي تبنته الإرادة الجماعية لكافة الدول المشاركة. وآتى إنشاء كل المؤسسات ضمن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بما فيها الرئاسة والأمانة، بمثابة قيمة مشتركة لجميع الدول المشاركة. وأي تحرك لا يتماشى مع ذلك، يخلخل الثقة. وتدعو أذربيجان هذه المؤسسات لتصحيح الانتهاك الصارخ للتفويض.
الزملاء المحترمين،
إن أذربيجان، مع إنتهاء الصراع المسلح مع أرمينيا الذي دام 30 عاماً، قد أخذت في معالجة تداعياته السلبية، حيث تخصّ الحكومة الأذربيجانية توفير الظروف لعودة آمنة وكريمة لمئات الألوف من المشردين إلى بيوتهم وضمان الحياة السلمية في الأراضي بعد الصراع بأولوية مطلقة. وقد احتضنت قرية آغالي بمحافظة زانجيلان التي تم إعادة بناءها طبقاً لفكرة "قرية ذكية" الفوج الأول من العائلات مؤخراً.
كما تجدد أذربيجان عزمها على إعادة دمج مواطنيها ذوي الأصل الأرمني، الذين يعيشون في أراضي ما بعد الصراع، في فضاءها السياسي والاجتماعي والاقتصادي مع ضمان لهم الحقوق والحريات المتساوية التي يتمتع بها جميع المواطنين الأذربيجانيين الآخرين. وفي هذا الصدد، فإن دستور أذربيجان يوفر إطاراً قانونياً قوياً. ويجب تشجيع ومواصلة الحوار بين السلطات المركزية الأذربيجانية وبين السكان ذوي الأصل الأرمني، والذي يتزايد في الأشهر الأخيرة.
إن تلويث الأراضي المحررة من الاحتلال بكثرة الألغام التي زرعتها أرمينيا هو عائق رئيسي أمام أعمال الإعادة وعودة المشردين. ومما يؤسف له بالإشارة إلى أن 268 شخص قد أصبحوا ضحية الألغام بحيث لقي 45 فرداً من بيهم 35 مدنياً حتفهم وذلك بعد توقيع البيان الثلاثي في شهر نوفمبر من عام 2020.
ويتسبب رفض أرمينيا تقديم خرائط الألغام الخاصة بكافة الأراضي المحررة من الاحتلال لأذربيجان في حالات الوفاة والإصابة الجديدة. وتعود تسبة ما يقارب 55% من الحالات الناجمة عن انفجار الألغام للأراضي التي لم تقدم أرمينيا المعلومات حول الساحات الملغمة فيها. وعلى العكس من ذلك، تواصل أرمينيا زرع الألغام في الأراضي الأذربيجانية بشكل عشوائي. لقد تم العثور على 350 لغم في الأراضي الأذربيجانية مؤخراً، والتي جرى إنتاج كلها في أرمينيا في عام 2021. وقد تفقدت قيادة قوات حفظ السلام الروسية وقيادة المركز التركي الروسي للمراقبة المشتركة، بما في ذلك الملحقون العسكريون المعتمدون لدى أذربيجان، الساحة الملغمة المذكورة أثناء زيارتهم لهذه الأراضي. وعموماً، أُكتشِفت في الأراضي الأذربيجانية السيادية 2728 لغم صنعتها أرمينيا في عام 2021، حيث جرى نقلها إلى تلك الأراضي عبر ممر لاتشين، الأمر الذي يأتي في نطاق سوء معاملة لهذا الطريق الذي يقصد الأغراض الإنسانية فقط.
كما بادرت أذربيجان إلى عملية التطبيع مع أرمينيا وذلك إلى جانب أعمال الإعادة وإعادة البناء وإعادة الدمج الواسعة النطاق بعد الصراع. لقد عرضت أذربيجان على أرمينيا سلاماً مبنياً على الإعتراف المتبادل بسيادة ووحدة أراضيهما ضمن حدودهما الدولية واحترامها، مهما كانت النتائج والتداعيات المدمرة للحرب والاحتلال وعدم التئام الجراح. وقد أظهرت بلادي خلال العامين الماضييْن إرادة سياسية قوية بغية تشجيع وتحفيز الأجندة السلمية.
لقد أكد الطرفان في اللقاءات الرفيعة المستوى التي عقدت في بروكسل وبراغ وسوتشي خلال هذا العام على الاعتراف المتبادل بسيادتهما ووحدة أراضيهما وحرمة حدودهما. قد أجريتُ 3 لقاءات مع وزير الخارجية الأرمني لبحث إعداد اتفاقية ثنائية حول العلاقات بين الدولتيْن. واتفقنا في لقاءنا الأخير الذي انعقد في واشنطن في 7 نوفمبر عام 2022، على تسريع المفاوضات في هذا الاتجاه. وفي هذا الصدد، قد قدمت أذربيجان لأرمينيا تعليقات لها بشأن مشروع الاتفاقية المشار إليها.
مقاربة أذربيجان واضحة ومتعابقة، و تستند على القانون الدولي. ويُشكّل التوافق حول اتفاقية ذات قوة قانونية تؤسس للعلاقات بين الدولتيْن بعد انعدام العلاقات الرسمية على مدى نحو 30 عاماً، ضرورة عاجلة. ويجب أن تضمن هذه الاتفاقية حقوقهما باعتبارهما دولتيْن ذواتيْ السيادة المتساوية، وتكوّن أساساً لحل كافة الأمور المثيرة للاهتمام العام أو القلق التي تنضوي تحت العلاقات بين الدول.
ورغم تصاعد زخم المفاوضات الثنائية، فإن تطوراً في 3 اتجاهات مثل توقيع اتفاقية السلام نتيجة تطبيع العلاقات الأرمنية الأذربيجانية، وتحديد الحدود، وفتح الاتصالات الإقليمية، يظل مقصوراً بما في الكفاية. وما زالت أرمينيا تلازم تجربة المحاكاة السابقة عوضاً عن الانخراط المخلص في عملية تتضمن 3 اتجاهات مذكورة. وعلى الرغم من التزاماتها الشفهية، فتحاول أرمينيا أن تتنصل من تنفيذ التزاماتها تلك.
إن أرمينيا لن تسحب بعد وحداتها المسلحة غير الشرعية من الأراضي الأذربيجانية بالكامل. كما تتعمد تأجيل إعادة خطوط النقل تزامناً مع رفضها توفير منفذ متصل بين أذربيجان وجمهورية ناختشيوان ذات الحكم الذاتي. في المقابل، أطلقت أرمينيا حملة التضليل والتشهير والتشويش بحق أذربيجان بهدف الاستيلاء على أجندة التطيبع، والإلهاء عن تنفيذ تعهداتها والتزاماتها. وكذلك يثير قلقاً دور بعض الأطراف الثالثة الذي يرمي إلى تجرئة سلوك القوات الانتقامية في ارمينيا، طالما حفّز ذلك اللجوء إلى خطاب يؤجج الاستفزازات العسكرية المتزايدة والحرب.
وإقناع أرمينيا من قبل المجتمع الدولي، بما فيه منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بالكف عن جهودها صوب الإخلال بعملية التطبيع يحمل بالغ الأهمية، في ظل سنوح الفرصة الحقيقية للمضي قدماً نحو السلام الدائم والثابت. وعلى أرمينيا أن تستجيب لاقتراح أذربيجان البنّاء، وأن تقيّم فرصة تاريخية لتحسين علاقاتها مع أذربيجان والدول المجاورة، مما سيفتح الطريق نحو السلام والأمن والتعاون في المنطقة.