إضراب تاريخي تشهده بريطانيا أوقع أضراراً في أهم مفاصل التنمية المستدامة فيها،
ويطالب المضربون في قطاعات النقل والصحة وإدارة الحدود بتحسين أوضاعهم المعيشية ورفع رواتبهم بما يتناسب وصعود معدلات التضخم على صعيد أوروبيّ.. متهمين الحكومات المتعاقبة المحافظة أو العمالية بسلسلة أخطاء أدت إلى هذه الأزمة المرشحة للتصعيد وخاصة بعد أزمة كورونا وتداعيات الحرب الأوكرانية التي دفعت أوروبا برمتها إزاءها ثمناً باهظاً يصعب تعويضه وخاصة بريطانيا التي تتصرف وكأنها في خطوط الحرب الأمامية.
ويرى مراقبون بأن تلك الأخطاء تجلت بالدعم البريطاني اللوجستي السخي لأوكرانيا إلى درجة باتت تضع فيها حكومة رشي سوناك البلاد في مقدمة خطوط المواجهة الاستخبارية غير المباشرة مع الروس دونَ احتسابِ نتائجَ هذا السلوك التصعيديِّ على اقتصاد بريطانيا المتهالك، في ظل نقص النفط والغاز وتكبده خسائرَ طائلةِ ناجمة عن فرق أسعار الطاقة الروسية المحظورة على صعيد أوروبي- ما لم تخضع لسقف ال 61 دولاراً المتفق عليه في بروكسيل مؤخراً- والفاتورة الأمريكية الباهظة في تناقض مبهم!
بالإضافة إلى أخطاء أخرى على نحو سوء التخطيط الاستراتيجي والقرارات المتخبطة فيما يتعلق بالنظام الضريبي.. بينما يدرج البعض الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي ضمن الأسباب الموضوعية التي أغرقت البلاد في الأزمات، وفق ما يرى الاسكتلنديون، الذين يشكلون مع انجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية المملكة المتحدة.. مع أنه بدون اقتصاد قوي قد يفرط الاتحاد من خلال إجراء استفتاءات شعبية مثلما حدث في أسكتلندا رغم فشلها عدة مرات.
والنتيجة وفق مراقبين كارثية على كافة القطاعات، ومن شأنها أن تؤدي إذا استفحلت إلى تعثر عجلة التنمية وتوقف برامج الحكومة مما قد يأخذ البلاد إلى مرحلة ركود اقتصادي طويل يصعب الخروج منه دون أن يترك أثراً في بنية الاقتصاد البريطاني.. بحيث يصعب تعافيه بسهولة ولو وضع البنك المركزي كل طاقاته لذلك.. من خلال رفع او خفض الفائدة، ما لم تقدم الحكومة الحلولَ الموضوعية للأزمة من جذورها.
فقد أدت الإضرابات في قطاعات مفصلية خدماتية وصحية إلى ضياع حوالى 417 ألف يوم عمل بسبب النزاعات العمالية في أكتوبر 2022، وهو أعلى رقم منذ نوفمبر 2011.
وخاصة تعرض بريطانيا لإضرابات صناعية واسعة النطاق بسبب الأجور والظروف المعيشية في ظل تضخم متصاعد وركود اقتصادي محتمل وتعثر في القطاع الصناعي.
وينفذ أكبر اتحاد للسكك الحديدية في بريطانيا، "أر إم تي"، سلسلة من الإضرابات منذ الصيف، ما أدى إلى إغلاق الكثير من السكك في إنجلترا واسكتلندا وويلز، إلى جانب إضراب العمال مثل سائقي الشاحنات والحافلات وعمال البريد الملكي ناهيك عن موظفي إدارة الحدود وقطاع الصحة ما يهدّد بضرب الأعمال التجارية في الفترة التي تسبق عيد الميلاد؛ مما سيشكل صفعة لخطط الحكومة العلاجية.
مقابل هذا الإضراب المتصاعد، تقف الحكومة عاجزة عن تلبية مطالب المضربين لذلك تصر على تحويل الأزمة معهم إلى لعبة عض للأصابع واختبار للإرادات دون التعامل مع الأزمة بحنكة وتفهم للأسباب على اعتبار أن المواطن في بريطانيا فقد كثيراً من امتيازاته المعيشية في ظل مستقبل ضبابي وتضخم متفاقم.
فلجأت إلى الاستعانة بالجيش وإقحامه في الأزمة المتفاقمة بطريقة سلمية، في بادرة تخالف قيم الديمقراطية التي يتباها بها الغرب وهو سلوك يذكرنا بالدول الدكتاتورية في العالم الثالث وإن لم تشهد إراقة دماء لأن الجيش البريطاني فقط قدم البدائل الفنية لأجل ديمومة عجلة التنمية في ادنى طاقاتها، أي أن مهمته اقتصرت على النواحي الفنية وليست ذات مهمات عسكرية، بغية تعويض النقص في الكوادر الفنية التي تجاوزت ال ١٥٠٠ وظيفة أمست شاغرة بفعل الإضراب؛ على اعتبار أن استمرارية الإضراب سيؤدي إلى شلل تنموي كارثي غير مشهود على صعيد المملكة المتحدة.
الرهانات على النتائج لا تخرج عن نطاق الكارثة فالاقتصاد عصب الحياة في
بريطانيا التي تشهد أفول شمس كانت لا تغيب عن مستعمراتها.