تبدأ صحة الإنسان بالتحسن فور الإقلاع عن التدخين، ومن ذلك أنّه بعد مرور عشرين دقيقة على آخر سيجارة تبدأ ضربات القلب بالهبوط إلى مستواها الطبيعيّ، وبعد مرور ما يُقارب ثماني إلى اثنتي عشرة ساعة تبدأ مستويات أول أكسيد الكربون بالتراجع في حين أنّ مستويات الأكسجين في الدم تبدأ بالارتفاع، ويجدر التذكير أنّ أول أكسيد الكربون هو الغاز ذاته الذي ينبعث من عوادم السيارات، وهو ما يُسبب ارتفاعاً في ضربات القلب وضيقاً في التنفس، ومن الأدلة على تحسن الصحة بعد الإقلاع عن التدخين أيضاً أنّه بعد مرور 48 ساعة سرعان ما تتحسن حاستا الشم والتذوق لدى الإنسان،
وبعد مرور أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع تنخفض فرصة المعاناة من الجلطات القلبية، في حين أنّ فرصة الإصابة بأمراض القلب كلها تنخفض إلى النصف بعد مرور عام على الإقلاع عن التدخين، وتنخفض كذلك فرصة المعاناة من الجلطات الدماغية خلال خمسة إلى خمسة عشر عاماً من وقت ترك التدخين، ويعتمد طول الفترة الزمنية على عدد السجائر المُدخّنة وكذلك على فترة التدخين، ومن الأخبار الجيدة أيضاً أنّ فرصة الإصابة بسرطانات الرئة تُصبح كفرصتها لدى الأشخاص الذين لم يُدخّنوا في حياتهم بعد مرور عشر سنوات على ترك التدخين، ويستمر التحسن في الصحة خلال الأعوام اللاحقة من عمر الإنسان.
الأعراض النفسية
على الرغم من اعتبار الكثير من المُدخنين السجائر طريقة لتخفيف التوتر النفسي، والمساعدة على الاسترخاء، وتهدئة الغضب، إلا أنّ الدراسات العلمية الموثوقة أثبتت بالدليل القاطع أنّ المُدخّنين يُعانون من ضغوطات نفسية أكثر من أقرانهم، فقد وجدت إحدى الدراسات أنّ 20% من المُدخّنين يُعانون من التوتر مقارنة بما نسبته 10% فقط من أقرانهم الذين يُعانون من التوتر والضغط النفسي من غير المُدخّنين، ومع ذلك يجدر العلم أنّ الإقلاع عن التدخين في بداية الأمر لا يُخلّص الشخص من التوتر والقلق النفسي، وإنّما يزيد حدته في بداية الأمر، ويمكن تفسير ذلك بعاملين اثنين، أمّا العامل الأول فيتمثل بالحالة النفسية قبل التدخين، فربما كان الشخص يُعاني من القلق والتوتر النفسي قبل إقدامه على التدخين، وعليه فإنّه من الطبيعيّ أن يُعاني من الشعور نفسه كعرضٍ انسحابيّ، وأمّا العامل الثاني فيتمثل بالظروف العصبية، حيث يُعتقد أنّ الدماغ اعتاد على مستويات معينة من النيكوتين في الجسم، وإنّ سحب النيكوتين من الجسم يحول دون قدرة الدماغ على التأقلم العاطفي، ولكن أثبت الباحثون أنّ هذا الأمر مؤقت الحدوث، فمع الوقت تعود القدرات الإدراية للدماغ والشعور العاطفي للإنسان إلى حالة جيدة.
وفي الحديث عن الأعراض النفسية الانسحابية (بالإنجليزية: Withdrawal symptoms) التي تُرافق الإقلاع عن التدخين فإنها قد تستمر من بضعة أيام إلى عدة أسابيع، وذلك بالاعتماد على عدد السجائر المُدخّنة في اليوم الواحد، والمدة الزمنية كاملة، ويجدر بيان أنّ هذه الأعراض قد تظهر حتى ولو كان الشخص مُدخّناً لبضعة أسابيع فقط، والجدير بالذكر أيضاً أنّ هذه الأعراض أكثر ما تكون شديدة في الأسبوع الأول، ثم تبدأ بالتحسن تدريجياً مع الوقت
ويجدر بيان أبرز أوجهها، وفيما يأتي توضيح ذلك:
القلق: فعادة ما يُعاني الأشخاص من القلق عند إقلاعهم عن التدخين، وإنّ ذروة هذا الشعور تكون في الأيام الثلاثة الأولى من ترك التدخين، وعادة ما يستمر الشعور بالقلق لفترة لا تزيد عن عدة أسابيع قليلة.
الاكتئاب: قد يشعر الشخص عند إقلاعه عن التدخين بالاكتئاب والحزن، وغالباً ما يبدأ هذا الشعور من اليوم الأول، ولكنّه سرعان ما يزول خلال شهر واحد، ويجدر التنويه إلى أنّ الشعور بالاكتئاب يستمر لدى بعض الأشخاص لفترةٍ أطول، وهؤلاء همّ الأشخاص الذين كانوا يُعانون من مرض الاكتئاب أو القلق حتى قبل التدخين.
صعوبة التركيز: ويُعزى ذلك لانسحاب النيكوتين من الجسم أيضاً.
الغضب: والذي يتمثل بالشعور بالغضب السريع من فترةٍ إلى أخرى دون وجود مدعاة حقيقية لذلك، ولكن هذا العرض كغيره من الأعراض الانسحابية سرعان ما يختفي.
الأعراض الجسدية
يمكن أن يتسبب الإقلاع عن التدخين بظهور بعض الأعراض الجسدية، يأتي بيانها أدناه:
زيادة الشهية والوزن
لفهم الرابط بين زيادة الوزن والشهية والإقلاع عن التدخين، لا بُدّ من بيان تأثير التدخين في الشهية، حيث وُجد أنّ التدخين يتسبّب بارتفاع هرمون الأدرينالين الذي يُسبب ارتفاع مستوى سكر الجلوكوز في الدم، وكذلك يُسبب التدخين تثبيط إفراز هرمون الإنسولين، وهذا ما يُسفر أيضاً عن ارتفاع مستوى سكر الجلوكوز في الدم، وإنّ ارتفاع سكر الدم يعمل كمُثبّط للشهية، الأمر الذي يُشعر المُدخّن بالشبع وضعف الشهية، ولكن لم يتوصل الباحثون حتى الآن إلى دليل علميّ يدعم أنّ التوقف عن التدخين يُسبب انخفاضاً في مستوى السكر حتى هذا اليوم.
الرغبة الشديدة في التدخين
يُعاني الشخص الذي أقلع عن التدخين من رغبة شديدة في العودة إلى التدخين بعد ثلاثة أيام من تركه، ويُعاني من الشعور ذاته بعد ثلاثة أسابيع أيضاً، ولعل حدة هذا الشعور تكون بعد مرور ثلاثة أشهر من الإقلاع عن التدخين، وأمّا بالنسبة للسبب الكامن وراء الشعور برغبة شديدة في التدخين فيكمن بشكل رئيسي وراء التفكير بهذا الموضوع، فالتفكير بالتدخين مدعاة للرغبة في السجائر، وعليه يجدر التنبيه إلى أنّ التفكير هو مصدر هذا الشعور وليس للنيكوتين علاقة بهذا الأمر.
السعال
قد يُعاني بعض الأشخاص من السعال عند إقلاعهم عن التدخين، ولكن هذا الأمر ليس شائعاً، كما يجدر العلم أنّ هذه المشكلة عادة ما تكون مؤقتة الحدوث وسرعان ما تختفي، وربما تدل في كثير من الأحيان على أنّ الجسم بدأ بالتعافي، ولفهم السبب الكامن وراء المعاناة من السعال عند الإقلاع عند التدخين، لا بُدّ من توضيح أنّ هناك شعيرات صغيرة تبطن الرئتين، وهي مسؤولة عن تخليصها من المخاط، وإنّ التدخين يتسبب بإبطاء حركة هذه الأهداب أو الشعيرات، وعليه فإنّ الإقلاع عن التدخين يُعيد النشاط لهذه الأهداب، وبالتالي فإنّ الجسم يستعيد ردة فعله للمخاط الذي قد يتراكم بالرئتين عن طريق السعال.
تقرحات الفم وأعراض نزلات البرد
بالاستناد إلى إحدى الدراسات الموثوقة التي نُشرت في عام 2003 م في شهر شباط والتي قامت على متابعة 174 شخصاً ينوون الإقلاع عن التدخين، وُجد أنّ كثيراً من الأشخاص الذين أقلعوا عن التدخين عانوا من قروح في الفم، وأعراض تُشبه أعراض نزلات البرد من سعال، وعطاس، وألم في الحلق، وقد كان ذلك خلال الأسبوعين الأول والثاني من وقت الإقلاع عن التدخين، ولكن بشكل عام إنّ أغلب هذه الأعراض لا يطول ظهورها، وأمّا بالنسبة لمحاولات التفسير العلمي لذلك، فقد بيّن بعض الباحثين أنّ ظهور القروح يرجع إلى غياب الصفات المضادة للبكتيريا التي تمتلكها سجائر المُدخّنين، وأمّا بالنسبة لأعراض نزلات البرد فقد تُعزى إلى غياب الأجسام المضادة في اللعاب.
الصداع
على الرغم من اعتبار الصداع من المشاكل الرئيسية التي يُسببها النيكوتين، إلا أنّه كذلك قد ينجم عن الإقلاع عن التدخين، ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المشكلة سرعان ما تختفي خلال الأسابيع القليلة الأولى من الإقلاع عن التدخين، وبالعودة للحديث عن علاقة النيكوتين بالصداع، يجدر بيان أنّ النيكوتين يُسبب تضيقاً في الأوعية الدموية، وهذا ما يُقلل كمية الدم الواصلة إلى الدماغ، وقد يُحفّز حدوث نوبات الصداع النصفي، ولكن لا يوجد حتى اليوم دليل علمي كافٍ يدعم علاقة النيكوتين بالصداع النصفي الذي يُعرف أيضاً بالشقيقة.
اضطرابات النوم
على الرغم من احتمالية معاناة الأشخاص الذين يُقلعون عن التدخين من اضطرابات النوم، إلا أنّ هذه الأعراض سرعان ما تختفي مع مرور الوقت، وتُعزى هذه الأعراض في العادة إلى اضطراب مستوى هرمون الدوبامين، والذي يُعدّ أحد الهرمونات المسؤولة عن دورة استيقاظ الإنسان ونومه، ويجدر التذكير أنّ التدخين يُسبب مشاكل كثيرة على مستوى النوم؛ منها الأرق واحتمالية زيادة خطر انقطاع التنفس النومي، وبالتالي مهما واجه الشخص الذي يرغب بالإقلاع عن التدخين من اضطرابات على مستوى النوم، تظل أبسط بكثير من تلك المشاكل المرتبطة بالنوم التي يُعاني منها أثناء التدخين.
الإمساك
إنّ التوقف عن التدخين بشكل مفاجئ قد يُسبب بعض الاضطرابات على مستوى الجهاز الهضمي، والتي عادة ما تتمثل بحدوث اضطراب في حركة الأمعاء وانقباضها، وهذا ما يُبطّئ حركة الطعام خلالها، وقد يُسفر ذلك عن المعاناة من الإمساك، ويمكن الحد من هذه المشكلة بالحرص على الإكثار من شرب الماء، مع ضرورة تناول الأطعمة الغنية بالألياف.
التعب والآلام الجسدية
قد يشعر الشخص عند إقلاعه عن التدخين بالتعب والإعياء العام، وقد يكمن السبب وراء ذلك بأنّ النيكوتين الموجود في عقائب السجائر يُعدّ مادة مُنشّطة، وبالتالي فإنّ غياب المادة المُنشطة يُشعر الشخص بالتعب والإرهاق، وإضافة إلى ما سبق يشعر البعض ببعض الآلام الجسدية والعضلية في مرحلة الإقلاع عن التدخين، وقد يكونون أكثر حساسية للألم الجسدي مقارنة بغيرهم.
أضرار التدخين على جسم الإنسان
يؤثر النيكوتين بطريقة سلبية في كثير من وظائف الجسم، ومن ذلك أنّه يتسبب بزيادة إفراز الغدة الكظرية (بالإنجليزية: Adrenal Gland) لهرمون الأدرينالين (بالإنجليزية: Adrenaline)، وإنّ هذا الهرمون يعمل كمُحفّز في الجسم، حيث يتسبب بزيادة مستوى سكر الجلوكوز في الدم، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة معدل ضربات القلب، وزيادة سرعة التنفس، وغير ذلك من الآثار التي تُلحق الضرر بصحة الإنسان،
ويجدر العلم أنّ النيكوتين يحتاج فترة تتراوح ما بين 8-20 ثانية فقط ليخترق الغشاء المُغلف للدماغ، وتعتمد كمية النيكوتين التي تدخل إلى الجسم على عدة عوامل، منها نوع التبغ الموجود في النيكوتين، وطريقة أخذ النيكوتين، وغير ذلك.