في مبادرة اتخذت ثوباً عالميا منطلقة من أحضان بلادنا الأردنية المقدسة التي تحتضن ثالث أهم موقع مسيحي وهو الموقع التاريخي لعمّاد السيد المسيح (المغطس) بشهادة الكتاب المقدس، وأقوال الرحالة والحجاج، والمكتشفات الأثرية التي تعود إلى الحقب الرومانية والبيزنطية، وخارطة مادبا الفسيفسائية للأراضي المقدسة، أصبحت أهمية هذه المبادرة وضروتها ذات أبعاد مجتمعية ووطنية وإنسانية وإقتصادية وسياسية، لأنه بدون أن تنتشر ثقافة السلام وحالة الوئام الديني بين البشر يُصبح من المستحيل أن تُعبد الطريق للعيش المشترك والتفاعل الإيجابي لبناء الأوطان وتحقيق النمو الحضاري الذي يُقدِّم للإنسانية جمعاء بيئة ملائمة للحياة الكريمة التي تثمر جهودها في كل تقدم وتطور وإزدهار.
فمبادرة الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان في الأسبوع الأول من شباط من كل عام والتي قدَّمها بكل حكمة وإقتدار وبصيرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم واستطاع أن ينال بها إجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2010 حتى أصبحت هذه المبادرة مبادرة ذات صبغة عالمية، ومدعاة للسياسيين والحكومات ومؤسسات المجتمع المدني لكي ينظموا برامج وفعاليات تعمل على تحقيق الوئام بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات المختلفة انطلاقاً من البحث عن المشتركات والقواعد الإنسانية المشتركة الجامعة التي تعلّي من قيمة الإنسان والإنسانية رغم كل الإختلافات مع خصوصيتها لكل جهة، ولكنها لا يجب أن تشكل عقدة للتناحر والإقتتال بل مدعاة لمد جسور التفاهم المتبادل والحوار لبناء ثقافة عالمية للسلام والوئام بين أتباع الأديان.
فأخطر ما يهدد عالمنا اليوم هو التعصب والتزمت وخطاب الكراهية إنطلاقا من أيدلوجيات عنصرية بغيضة ومفهوم ضيق لبعض النصوص الدينية التي تُجيّر لمعاداة الآخر واستباحة حقه في الحياة الإنسانية الكريمة أو السعي لقتله والإٍساءة له والتعدي على رموزه الدينية وانتهاك حرمة مقدساته، مما يكرس المزيد من العنف والكراهية والخوف من الآخر والعودة إلى عصور الظلام والحروب الدينية والطائفية والعرقية والإثنية.
لذلك فالتحدي الكبير الذي يضعه أمامنا اليوم الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان هو كيف نقدر أن نقف في وجه الأيديولوجيات العنصرية والإٍساءات والتعديات المرتكبة بإسم الدين وتحت غطاء الدين بعيدا عن مفهوم العدالة الإنسانية والمواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة؟ فالتحدي عالمي وخطير، وليست بدولة يمكن أن تنأى بنفسها عنه حتى أقوى الدول وأغناها، فالعالم يحتضن أجناس وألوان وأعراق وأديان مختلفة، وما التحدي الأكبر سوى كيف يعيشُ الجميع بخصوصيتهم في مجتمعاتهم بحرية ضمن سيادة القانون الذي من المفترض أن يقف على مسافة واحدة من الجميع ويجرّم كل من يسيء أو يعتدي على حرية الآخرين ومعتقداتهم وعباداتهم ورموزهم الدينية، فالله لم يَدعنا للعبودية بل للحرية والكرامة الإنسانية وللحياة الفضلى.