ما زلت من المتتبعين اللصيقين لطقوس الأردنيين الجماعية ابتداء من رحلات الربيع مرورا بمطلات الصيف وجمعات الشتاء الدافئة المطعمة بتراشق الثلج فور نزوله، والسؤال الذي حضر في ذهني هذه المرة: هل لعب الأردنيون بالثلج؟
الناظر في شوارعنا البيضاء سيجدها أقرب للقطات الأيقونية للقارة المتجمدة، بياض دامس بهدوء ساحق غير متخلل بأي نشاط بشري إلا بعض العيون المشرأبة من شبابيكها خافتة الإضاءة وأبوابها فاقعة الترحيب، فما السر يا ترى؟
طرقنا أذهان الناس بحثا عن إجابة، فمنهم من أدلى ومنهم من أبى واستكبر، والإجابات تدور في فلك واحد وهو انخفاض الحالة المزاجية العامة للشعب الأردني، فمنهم من اشتد عليه الغيض بسبب ما رآه في سوريا وتركيا من زلزال مدمر يدمي القلوب، ومنهم من تراكمت عليه هموم الحياة بأعبائها الاقتصادية، وكأن الناس غدوا فاقدي الذوق لكل جميل فكيف لهم أن يتراشقوا الفرحة!
الأردني بكيفه السامي ومزاجه العالي حساس لأي طارق يطرق بيبانه حلوا كان أو مرا؛ فلم يستطع إطلاقا أن يبتهج وفي أمته غصة وهذا هو ديدنه منذ أن أقسم الله أن على هذه الأرض بلادا، والناس كل الناس شاحوا عن ملذاتهم واعتكفوا على شاشاتهم يعدون الضحايا بالدعاء ويخففون عن الجرحى بالدموع، فهل سمع العالم نحيبنا؟
لم يكن للزائر الأبيض في نفس الأردني فرحة نصف ما أوقعت في نفسه صور فريق الإنقاذ الأردني على الأرض السورية؛ وكأنهم رسل مرسلة منا إلى الإنسانية كلها، فرضي الله عن الأردني حيثما حل.
والروح الأردنية في ديدنها كاسرة للحدود، فالعيون هنا كسارة للآفاق سابحة في البلدان تطوف على الأرض كل الأرض متلمسة ما فيها، روح خلدها أن تطوف في أرض الله كأنها عين له، فسبحان من خلق الأردني.
رفع الله عن الأمة بلاءها وغفر لميتيها وشفى مصابيها ورزقنا وإياكم أيام تملأنا فرحة وغبطة.