العقل البشري يولد فارغا تبرمجه الوراثة والمحيط الذي يعيش فيه، والبيئة تكسبه نظم التعليم والثقافة ، والإنسان يولد بخيارات عقلانية مفتوحة، لكن المجتمع يبرمج هذا الإنسان بدأ من الطفولة. لذلك مشاكلنا تبدأ ولا تنتهي برفض الآخر، حيث إن الرفض العميق لحضارة العصر يأتي أحيانا من أعلى المستويات التعليمية، لذلك القادة الحاسمون يفرضون التغيير. علما بان مفهوم الفرد في الثقافة الموروثة أقل قيمة من الجماعة، قبيلة كانت أو طائفة ، لأن المدلول الشائع للفرد والفردانية مدلول سلبي ، إذ يعني الانعزال والأنانية والمنفعة الشخصية الضيقة. ولكن الفرد هو عنوان الحداثة، فهو أساس الثقافة في النظام الاجتماعي والسياسي ومبدأ المساواة في المواطنة، هو مساواة بين أفراد مواطنين بغض النظر عن اختلاف أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم.
وقبل أن نسأل أنفسنا: من أين نبدأ مسيرة الإصلاح؟
لذلك يجب علينا معرفة أين الخلل؟. هل هو في الأوضاع الإقتصادية. أم في نُظم التعليم والثقافة؟.
إن الفكر المتأثر في التطرف يجب أن تتم معالجته بالفكر، عندما تقوم الحكومات بإبتعاث بعض من أبنائها للدراسة في الخارج، ويعودوا بأفكار إصلاحية قد ترتقى بمجتمعاتهم ، يتم رفض هذه الأفكار الإصلاحية التي دعا إليها هؤلاء الدارسين ، بسبب وجود تيار رافض متمسك بثوابت معينة وغارق في الماضي وفي صنمية الفكر ، وتكون النتيجة أنهم قادوا دعوة إصلاحية دون تحقيق أي نتائج ، فخرجوا بخيبات لا حدود لها.
إذن.. فمن أين نبدأ ؟
لذلك علينا ان نبدأ من الفكر أولاً. فلا بد أن يكون هناك تطوير وإصلاح للفكر ، ولابد ان يحظى هذا الإصلاح بأولوية وأهتمام من قبل الحكومات . وهذا التطوير يجب ان يبدأ بإصلاح النظم التعليمية التي تعد المنطلق الاساسي لكل عملية تطوير. وهذا يتطلب وجود نظم تعليمية تقوم على الفكر والتفكير الإبداعي وإيقاظ الوعي وعلى البحث العلمي؟!
ولابد أن نبدأ من الإنسان. فبناء الإنسان على أسس علمية وثقافية سليمة ، يغلق أبواب التطرف والإرهاب وصنمية الفكر، أننا بحاجة إلى إنسان العلم والسلم والعدل والمساواة واحترام الرأي والرأي الاخر، ونبذ الكراهية والتعصب والعنف ، والحاجة إلى إنسان محمل بالوعي ليقوده هذا الوعي إلى تجاوز التعصب والخروج من حالة التسلط الفكري العنيف إلى حالة الاستجابة للفكر الاصلاحي والاستجابة للسير نحو المستقبل المشرق.
من هنا يبدأ الإصلاح الفكري.
اذا وقفنا عند تاريخ الفكر العربي من من منطلق التحليل والتمعن والاستنتاج ، نجد بأن الإصلاح لم يعد استجابة لضغوط خارجية (الاستعمار)، ولكنه أصبح اليوم رغبة ذاتية ملحة استدعتها التطورات المتسارعة والتحولات العميقة في بنية المجتمعات ، والتطور التكنولوجي في عصر الثورة الصناعية الرابعة عصر الانترنت والربوتات.
وفي النهاية : لم يعد الاصلاح الفكري مفهوما مرتبطا بمجال دون آخر، بل اصبح عنصر اساسي في منظومة الاصلاح الشامل ،وأصبح يشمل جميع عناصر قوة الدولة وفي كافة المجالات ، بدءا بالإصلاح السياسي والاجتماعي و الاقتصادي والامني ، وانتهاءا بالتجديد الديني بما ينسجم مع متطلبات هذا العصر، لتجنب آفة التطرف والارهاب والانغلاق العقائدي .
الدكتور مفلح الزيدانين متخصص في التخطيط الاستراتيجي وادارة الموارد البشرية