لم يسبق ل«باب اليمن»، البوابة التاريخية لصنعاء القديمة، أن لفت نظري على الرغم من زياراتي المتعددة للمدينة، ففي زيارتي الأخيرة لفت نظري الباعة الذين يفترشون الأرض في المنطقة المحيطة بالباب.
وهم يعرضون مختلف البضائع بما فيها الملابس والأدوات القديمة من معاطف وقمصان وساعات يد وأوان منزلية وأكلات شعبية، وبدت هذه الساحة كلوحة بانورامية اختلط فيها القديم بالجديد والأزياء بالأكلات الشعبية، وفي المقابل ظل (باب اليمن) شاهدا على التاريخ اليمني باعتباره معلما تاريخيا وسياحيا يعود عمره لأكثر من ألف عام، وهو يعد المدخل الأساسي لصنعاء القديمة من الجهة الجنوبية، وهو الباب الوحيد المتبقي من بين أربعة أبواب أخرى عرفت في السابق كمداخل للمدينة القديمة، وهي: «باب شعوب، وباب السبح، وباب سترات»، إلى جانب بابين آخرين أضيفا في فترة لاحقة هما: «باب خزيمة، وباب الشقاريف»، وجميع هذه الأبواب اندثرت وبقي باب اليمن كشاهد على جملة من الأحداث التاريخية والسياسية، ومن هذا الباب دخلت إلى صنعاء جيوش الغزاة ومن خلاله انطلقت جيوش الفاتحين إلى أنحاء عديدة من الدنيا.
ومن غرائب صنعاء القديمة وبابها التاريخي وغيره من الأبواب قبل أن تندثر، أن هذه الأبواب كانت تغلق بحلول المساء ولا تفتح إلا بعد صلاة الفجر حتى عهد قريب (بعد قيام الثورة اليمنية في 1962 )، ومن لم تسمح له ظروفه بالولوج قبل هذا الموعد كان عليه المبيت في الحقول أو المزارع المحيطة بصنعاء القديمة والتعرض لخطر الحيوانات المفترسة، لذلك كان الناس لا يغادرون أسوار المدينة إلا عند الضرورة كالزراعة أو الاحتطاب من الغابات. و«باب اليمن» له طابع معماري وهندسي فريد وهو جزء من سور صنعاء القديمة الذي يمتد بطول6200 متر وارتفاع 8 أمتار ليلف المدينة بشكل متعرج ويأخذ شكل الرقم 8 باللغة الانجليزية، وقد تم ترميمه بالكامل مؤخراً.
وبمجرد دخول الباب باتجاه المدينة القديمة يقابل المرء أسواقا تعكس تجليات الثقافة التقليدية اليمنية، حيث تعرض في هذه الأسواق مختلف الأزياء الشعبية والصناعات الحرفية من سيوف وخناجر وحلي شعبية مصنعة من الفضة والعقيق والأحجار الكريمة، بينما تحولت الساحة الواقعة أمام باب اليمن من خارج المدينة القديمة، إلى سوق أيضاً تباع فيه الحرف والصناعات اليدوية من سيوف وخناجر قديمة إلى جانب الأجهزة الالكترونية والهواتف المحمولة والملابس القديمة وكل ما يحتاج إليه الإنسان اليمني الفقير غير القادر على شراء كل ما هو جديد، وجزء من هذه المنطقة أصبح ساحة انتظار للعمال والحرفيين الباحثين عن فرصة عمل.
أما ما يميز «باب اليمن» فهو كونه بناء متكاملا يضم مجموعة من الغرف والدهاليز والأسطح التي كان يستغلها الحراس في الماضي البعيد كسكن وأبراج للمراقبة، ومع تحول اليمن إلى عصر الانفتاح تحولت هذه الغرف اليوم إلى مواقع ثقافية مثل مركز للمعلومات يحتوي على تاريخ المدينة القديمة، ومعرض دائم للفنون التشكيلية، كما أجريت بعض التعديلات على سطح الباب حتى يتمكن السياح من مشاهدة صنعاء القديمة والوقوف على ابرز معالمها.