يقضي أحمد البالغ من العمر 13 عاماً معظم وقته أمام شاشة الجوال متصفحاً حساباته عبر مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، اليوتيوب، الواتساب)، مبتعداً عن ممارسة أي أنشطة أخرى حتى بات "الانعزال” عن أهله وأصدقائه صفته اليومية، و”الإدمان” صفته التي يلقبه بها كل من يعرفه.
قصر في النظر، وتقصير في الواجبات المدرسية، وتراجع في المستوى الدراسي، أول ثلاثة عوارض ظهرت على الفتى أحمد صالح جراء سلوكه اليومي تجاه وسائل التواصل الاجتماعي، وهو السلوك الذي أصبح ظاهرة منتشرة في المجتمع مع الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي.
مشاكل صحية.. واحتمال الإصابة بالتنكس البقعي
المشاكل الصحية التي ترافق من يمكن تسميتهم "بمدمني” وسائل التواصل الاجتماعي عديدة، ولاسيما فئة الشباب، ومن هم بسن المراهقة، حسب رأي العديد من الأطباء، ومنهم الاختصاصي في أمراض العين وجراحتها الدكتور أسامة جوعانة الذي أوضح في تصريح لـ سانا أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى إجهاد العين وجفافها، وانخفاض درجات النظر ومستوى الرؤية الصحيحة، مع احتمال الإصابة بالتنكس البقعي جراء تأثير اللون الأزرق للشاشة على خلايا الشبكية، وإلحاق الأذى بها.
وأشار الدكتور جوعانة إلى أن الإصابات البصرية التي تسببها متابعة وسائل التواصل الاجتماعي لساعات طويلة عبر الجوال أو الحاسوب باتت أكثر انتشاراً بين فئة الأطفال، وهي تعد أكثر ضرراً لهم مقارنة مع الفئات العمرية الأخرى، لافتاً إلى أن آثاراً صحية أخرى منها الشعور بالصداعالدائم وحصول اضطرابات متفاوتة تجعلهم أكثر عرضة للأرق.
اضطرابات نفسية.. وتداعيات اجتماعية
الاستشاري في الطب النفسي والعصبي الدكتور جلال الدين شربا أكد أن حالة إدمان مواقع التواصل الاجتماعي لا تقل ضررا عن إدمان المواد المخدرة، وخطورة هذا السلوك تتزايد نتيجة سهولة استخدام هذه المواقع، معتبراً أن هذا الإدمان له العديد من التداعيات الاجتماعية السلبية أهمها تهديد الروابط العائلية، من مشاكل في العلاقات الأسرية إلى نشوء خلافات زوجية نتيجة الوقوف مع أو ضد الأبناء في هذا السلوك، وصولاً إلى اضطرابات نفسية خطرة على مدمن مواقع التواصل قد تؤدي إلى الانتحار.
ورأى شربا أن إنشاء علاقات شخصية وعاطفية عبر وسائل التواصل أصبح أمراً واقعاً لا يمكن إخفاؤه، لكن أغلبها زائفة، لأنها تحدث عبر عالم افتراضي فيه الكثير من المعلومات الخاطئة والإشاعات المضللة التي تشكل منظومات فكرية مشوهة للفرد والمجتمع، موضحاً أن فئتي الأطفال والمراهقين هما الأكثر تأثراً بالمضمون المقدم عبر هذه المواقع، الأمر الذي يحول دون تنمية وعيهم الاجتماعي واستكمال تعليمهم الدراسي.
واعتبر شربا أنه يقع على الأهل الجزء الأساسي من المسؤولية تجاه الآثار السلبية التي تظهر جراء الإدمان على هذه المواقع، نتيجة إهمالهم مراقبة أولادهم، وتقديم الإرشادات السليمة لهم.
علاج الإدمان… سلوكي وصحي
كون العين من أكثر الأعضاء تضرراً من الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، دعا الاختصاصي الدكتور أسامة جوعانة إلى ضرورة اتباع بعض القواعد الصحية السليمة للتخفيف من هذا الضرر، كتقليل فترة النظر لشاشة الهواتف الذكية، وتخفيف أشعة الهواتف، وتصفية اللون الأزرق المنبعث منها من ضمن إعدادات الموبايل، وإجراء فحوص دورية للعين، والالتزام بارتداء النظارات الطبية التي يصفها الطبيب المختص، وقطرات معالجة الجفاف.
من جهته أوصى الاستشاري النفسي والعصبي الدكتور جلال الدين شربا بضرورة تفعيل الرقابة الذاتية عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتوجه نحو تمكين العلاقات الأسرية بين أفراد العائلة والوعي الاجتماعي من قبل الأهل تجاه أولادهم، لتشجيعهم على ممارسة أنشطة تعليمية ورياضية وترفيهية مختلفة تملأ أوقاتهم وتشغلهم عن الموبايل.
وفي الوقت ذاته أكد الدكتور شربا على أهمية منح الأبناء مساحة من الحرية المنضبطة، والمراقبة عن بُعد لتصفحهم وسائل التواصل وتوجيههم نحو مشاهدة المضامين التعليمية أو الترفيهية المناسبة.