يمزج محمد موفاكو الأرناؤوط في كتابه "هجرة الألبان إلى دمشق في القرن العشرين وإسهامهم في الحياة الثقافية" بين ما احتفظت به الذَّاكرة الجماعيَّة المتوارَثَة الّتي تركها الجيل الأوَّل من المهاجرين الألبان، ومذكرات الجيل الثَّاني المخطوطة التي تُنشر لأوَّل مرَّة وتضيء الظُّروفَ الصَّعبةَ الّتي واجهت المهاجرين الواصلين إلى دمشق، وظروفَ التَّعليم الأولى، والانخراطَ بعد ذلك في الحياة اليوميَّة.
وتقع الطبعة الثانية المزيدة من الكتاب الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في 286 صفحة، وتضم مجموعة من الدراسات التي تناولت المواضيع المتصلة بالهجرة الألبانية، ومن بينها: الإسلام العثماني والإسلام السلفي بين النخبة الدينية الألبانية في دمشق، وبقايا الثقافة العثمانية لدى الجيل الأول، وسنوات الحافظ إسلام البرشتوي بدمشق، وأثر العثمانية ثم القومية العربية في المهاجرين، بروز السلفية الألبانية، وإسهام الألبان في الفن السوري الحديث والمعاصر، وغيرها من المواضيع، إضافة إلى ثلاثة فصول جديدة هي إسهام الألبان في تأسيس مدرسة التحقيق الشامية، ألبان دمشق بين هويتين.. تجربة الجمعية الألبانية الأولى والأخيرة، والموجة الألبانية الأخيرة: دمشق مركزًا للمعارضة ضد الحكم الشيوعي.
ويشير الأرناؤوط في مقدمة الطبعة الثانية (2023) إلى أن "هذه الفصول الجديدة جاءت لتلقي الضوء على جوانب جديدة من هجرة الألبان إلى دمشق وإسهامهم في الحياة الثقافية السورية، وحتى العربية والإسلامية؛ نظراً لأن بعض الشخصيات أصبحت معروفة ومؤثرة خارج الحدود السورية".
ويضيف: "نجحت كتابة هذه الفصول بفضل الصلات مع بعض المخضرمين الذين كانت لهم صلة بالألبان الذين هاجروا إلى دمشق في النصف الأول من القرن العشرين، ومنهم: د.عدنان آيدين الذي وُلد في دمشق وعاش فيها فترة من حياته هناك قبل أن يغادر إلى الولايات المتحدة؛ وقد زودنا ببعض ذكرياته عن فترة الأربعينيات والخمسينيات وبعض الصور القيّمة لشخصيات ألبانية كانت لها مكانتها".
ويذكر المؤلف أيضاً من الذين أمدّوه بالوثائق: الصحفي والكاتب "إدريس لاماي" (I.Lamaj) الذي كان على صلة وثيقة بـ"التجمع الكوسوفي" في دمشق، وأصدر خلال الفترة 1948-1949 جريدة "راية الأمة" باللغة الألبانية، التي استعرضت أحوال الموجة الأخيرة من الألبان الذين لجؤوا إلى دمشق بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. إذ قدّم له "لاماي" بعض أعداد هذه الجريدة.
وأفرد المؤلف فصلا خاصا لمجموعة من الصور التي تكشف عن حياة الجيل الأوَّل من المهاجرين، وهي صور تُنشَر لأوَّل مرَّة، وتشكل نواة لألبوم يستعرض قدوم الألبان وحياتهم في دمشق من خلال الصُّور.
وحوى الكتاب أيضا مجموعة من المذكرات لأعلام من جيل المهاجرين الأوائل من بينهم الشيخ عبد الرحيم عابدين، وعبد الوهاب إسلام جلال الدين، وشوكت غاوجي.
ومن الجدير ذكره أن د.محمد موفاكو الأرناؤوط مؤرخ كوسوفي سوري ناشط منذ ثمانينيات القرن العشرين. صدرت له مجموعة كبيرة من المؤلفات الشخصية التي تناولت تاريخ ألبانيا والبلقان عموما، وتاريخ سورية والبلاد العربية، والتفاعل الحضاري بين المنطقتين. وصدرت له كذلك مجموعة كبيرة من الكتب المحققة والمحررة والترجمات