قرار الكويت الشقيقة وقف الأبتعاث للكليات الطبية في الأردن ومصر أثار الكثير من ردود الفعل، سيما وأنه جاء بعد زيارة تشخيصية وتقيمية من جانب الأشقاء (تخصهم) للكليات الطبية في جامعاتنا، وكما نقلت الأخبار فالوقف مقتصر على الأبتعاث ومسموح للدراسة الخاصة، وهنالك حملة يقودها النواب الكويتين لإلغاء القرار… وهنالك من يتحدث عندهم؛ أن السبب ليس مرده الجودة لكلياتنا بل… إنشاء كلية طب قطاع خاص في الكويت… وقد يكون مغزى القرار توجيه طلبتهم لها… ويبقى الأمر قرار سيادي للشقيقة دولة الكويت، مع أنه وقبل هذا القرار هنالك تصريحات كثيرة من مسؤولين في التعليم العالي ووزارة الصحة والمراقبين تؤكد على ضرورة التطوير للتعليم الطبي في جامعاتنا، ونعرف جميعاً تضاعف أعداد المقبولين عن السنوات الماضية والتهافت على دراسة الطب، وأثر كل ذلك على الجودة والعرض والطلب سيما أن الناطق الأعلامي لوزارة التعليم العالي أعلن سابقاً أن عدد الطلبة الذين يدرسون الطب في الكليات الطبية في جامعاتنا الحكومية والخاصة بلغ 22 ألف طالب، و 5 ألاف طب أسنان، عدا الدارسين في الخارج والذين يزيد عددهم عن 15 ألف طالب.
موزعين على ست جامعات حكومية تضم كليات للطب، وهي: الجامعة الأردنية، وجامعة العلوم والتكنولوجيا، والجامعة الهاشمية، وجامعة مؤتة، وجامعة اليرموك، وجامعة البلقاء التطبيقية.
وقبل كل هذا يقر الكثير من المسؤولين بوجوب تطوير وتقنين دراسة الطب وبذات الوقت تميزه، واقتطف واقتبس:
عضو نقابة الأطباء الأردنية الدكتورة ميسم عكروش، "فقد بينت ان التعليم الطبي الأردني كان ولايزال وسيبقى مميزا، على المستويين المحلي والإقليمي، فكليات الطب الأردنية لا تقبل الا المعدلات المرتفعة جدا، والطلاب المميزين على مقاعد الدراسة، والدليل نجاح ابناء الأردن في الامتحانات، التي تخولهم لممارسة الطب في البلدان الأجنبية كالولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا...وتابعت بأنها كممثلة للكلية الملكية البريطانية في برنامج الابتعاث MTI scheme، فإن حامل البورد الأردني بالأمراض الداخلية (باطني)، لا يحتاج أي شهادة بريطانية ليعمل مدفوع الأجر ببريطانيا، وكلما تم ابتعاث أطباء من عندنا، يطلبون المزيد من الأعداد، لتميز مستواهم، وسمعة الطب الأردني وثقتهم به".
وزير الصحة قبل أن يصبح رئيساً للجامعة الأردنية "قال وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات إن تطوير التعليم الطبي المستمر أولوية ضمن سياسة الوزارة، والتطور الطبي فيما يخص امتحان شهادة الاقامة للتخصصات المختلفة لما فيه منفعة للمواطنين والاطباء على حد سواء.
وزير التعليم العالي السابق د. وجيه عويس "أهمية تشكيل حلقات ولجان لغايات التشاور مع الشركاء في المؤسسات الوطنية الجامعية كافة، لغايات وضع الأطر العامة والأسس، وتثبيت القناعات بالحاجة إلى التغيير والتطوير في المجالات كافة، للوصول إلى إصلاح متوازن في قطاع التعليم العالي ضمن إطار من العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص. وأشار إلى أن التعليم الطبي في الأردن كان وما يزال متميزا بمخرجاته، إلا أنه يعاني وبوضوح من ظاهرة تكاد تميزه عن غيره، وهي ما يسمى بالتهافت الطلابي والمجتمعي على دراسة هذا التخصص، لافتا إلى أن الخطر يتمثل في الحفاظ على المخرجات المتعلقة بمهنة تعتبر من أسمى المهن وتتعلق بحياة الإنسان. ولفت إلى أن عدد الطلبة في كليات الطب داخل الأردن يبلغ حوالي 19 ألف طالب، ويماثلهم نفس العدد في كليات الطب الخارجية، ومن هنا نقرع جرس الانذار بخصوص كيفية العمل على تنظيم سياسات القبول في المستقبل القريب، والحفاظ على مستوى الخريجين من خلال تعليم مبني على رغبة الطالب وقدرته الأكاديمية.
وفي تصريح لرئيس جامعة اليرموك د. إسلام المساد قبل عام… "أن التعليم الطبي المتميز في الأردن لن يبقى متميزا إذا تقوقعنا على أنفسنا وبقينا بالأسلوب الذي تعلمنا به سابقا، لا سيما ومع التغير الحاصل في المجتمع، والتطور العلمي والتكنولوجي الهائل في كل العالم بالمجالات كافة، والتغير في وسائل التواصل الاجتماعي، والتعديل المستمر في التشريعات وخاصة القانون المدني، وتشريع قانون المساءلة الطبية، والتشاركية في التخصصات الطبية الأخرى، والعمل بروح الفريق والتغير في أفكار الأجيال، حيث يعتبر كل هذا مدعاة لأن نغير طريقة تعليمنا في الكليات الطبية وحاجتنا الماسة للتعليم الطبي المستمر".
وفي رد لمعالي الدكتور نذير عبيدات رئيس الجامعة الاردنية على ملاحظات البعض في ملتقى النخبة حول هذا الموضوع المثار .. "مع احترامي لمن يقيم الكليات الطبية في الجامعة الاردنية في هذه المجموعة المحترمة، يؤسفني القول ان هناك تجني واضح ويسيء لهذه الكليات التي تصنفها المؤسسات العالمية على انها من الافضل في العالم وليس بالمنطقة وحدها وللأسف اذا كان هناك البعض الذي لديه اسبابه الخاصة ليمتطي جانب النقد الغير مبني على اي ادله او اسس علمية فاننا نعرف ما لدينا في الجامعة وهنا اود ان اورد بعض الحقائق الخاصة بهذه الكليات.
١- كلية الصيدلة من افضل ١٥٠ جامعة بالعالم حسب تصنيف. QS العالمي والذي تتنافس فيه اكثر من ٢٠ الف جامعة من جامعات العالم وكلية الصيدلة معتمدة اعتماد عالمي محترم ومن افضل مؤسسات الجودة العالمية ولم يتم ذكر اي نقص في التخصصات لاعضاء هيئة التدريس.
٢- كلية التمريض بالاردنية مصنفة من افضل ١٥٠ جامعة بالعالم حسب تصنيف QS ولديها اعتماد عالمي.
٣- كلية الطب بالاردنية مصنفة من افضل ٣٠٠ جامعة بالعالم حسب QS ومعتمدة اعتماد عالمي من اصعب المؤسسات.
وللسنة الثانية على التوالي يقبل من كلية الطب من الجامعة الاردنية للتخصص في امريكا عدد من خريجيها اكثر من اي عدد من اي كلية طب بالعالم ونسبة النجاح في الامتحان الامريكي USMLE من اول مرة تتجاوز ٩٥٪ وهي اعلى من متوسط جامعات العالم بنسبة عالية.
٤- كلية طب الاسنان مصنفة من افضل ٣٥٠ كلية طب اسنان بالعالم.
مضيفاً أنه في العام الماضي اوقفنا القبول بالبرنامج الدولي لشدة الاقبال من كثير من الدول.
ووفق «عبيدات»، "فإن حوالي 35% من خريجي كلية الطب في الجامعة الأردنية يعملون في أوروبا وأمريكا، بينما بلغ عدد المقبولين للحصول على شهادة التخصص من الولايات المتحدة الأمريكية، العام الماضي، نحو 138 طالبًا".
وفي دراسة علمية للأستاذ الدكتور أحمد التميمي وفريقه، نُشرت في أحدى أعرق المجلات العلمية العالمية المُتخصصة في التعليم الطبي وهي مجلة » BMC Medical Education Journal»، "تركزت الدراسة حول العلاقة بين شهادة الثانوية العامة (حيث تضمنت 17 نوعًا من شهادات الثانوية العامة أو ما يعادلها من دول عديدة من المنطقة العربية والدولية وعلى رأسها التوجيهي الأردني) ومعدل الثانوية العامة «التوجيهي أو ما يعادلها» وذلك لفوجين من كلية الطب في الجامعة الأردنية، تم قبولهم في عامي 2012 و2013 وبلغ المجموع الكُلي للطلبة 808 طالبًا وطالبة، تخرّج منهم 626 طالبًا وطالبة بنسبة (77%). شكّلت نسبة الإناث الإجمالية (52.7%)؛ بينما شكلت نسبة الإناث في منظومة القبول الموحد والمكرُمة الملكية ضعف عدد الذكور، وفي منظومة القبول في المسار الدولي نحو الثُلث فقط.
أما مُعدّل الثانوية العامة «التوجيهي» أو ما يُعادلها حسب نظام القبول في الجامعة بمختلف مساراته فقد شكّل القبول الموحد والمكرمة الملكية السامية أعلى متوسط مُعدلات في القبول الموحد بنسبة بلغت (%98.9)، تلاها القبول من المكرمة بمعدل بلغ (98.5%)، وقد تم تحليل العلاقة بين مُعدّل الثانوية العامة أيضًا ومستوى الأداء في كلية الطب (مُعدل التخرُّج) تحليلًا إحصائيًا شمل كافة المعايير عبر الوسائل الإحصائية العلمية الحديثة.
أثبتت نتائج الدراسة أن أفضل فُرصة للتخرُّج بأعلى المعدلات كانت للطلبة من حَملة الثانوية العامة الأردنية، والثانوية البريطانية والسويسرية، وفيما يخُص منظومة القبول فكانت أعلى فرصة للتخرج من الكلية هي للطلبة الذين دخلوا عبر نظام القبول الموحد والمكرمة الملكية السامية.. وقد خرجت الدراسة بنتائج نوعيّة تُثبت أهمية الثانوية العامة الأردنية «شهادة التوجيهي الأردني» ومستواها مقارنةً بشهادات الثانوية العامة الأخرى، مما يُعزّز من مكانتها الدولية التي توجب رعايتها وتعزيزها والحفاظ على منظومتها ومكانتها وفق توصيات الدراسة ونتائجها. وأثبتت هذه الدراسة أيضًا عدم الحاجة إلى تعديل نظام القبول في كليات الطب، إذ تعد شهادة الثانوية العامة الأردنية كافيةً وآمنةً لقُبول الطلبة في كليات الطب الأردنية، ويعد ذلك مؤشرًا موضوعيًا.
كما قدّمت الدراسة مُؤشراتٍ هامّة فيما يتعلق بمنظومة القبول، وأثبتت نتائجها بأننا تحوّلنا نحو الربحية، حيث أن أكبر عدد من الطلبة قد تم قبولهم في المسارين الدولي والموازي بنسبة وصلت إلى (44%).حيث بلغ مُجمل مُعدل القبول في التنافسي 36% فقط توزعت بين 18% من المقبولين في القبول الموحد و18% من المقبولين في المكرمة الملكية، مما يعزّز التعليم الطبقي باتجاه الطبقات المقتدرة من المجتمع.
وعلى هامش هذه الدراسة وبعد عقد من الزمن تقريبًا تم تحليل بعض المُعطيات الحالية للعام الدراسي الحالي 2023 ؛ فقد بلغت أعداد الطلبة المقبولين (1491) طالبًا وطالبة (أي قرابة أربع أضعاف ما كانوا عليه قبل عشر سنوات) وذلك دون زيادة أعضاء الهيئة التدريسية أو البنية التحتية بما ينسجم مع زيادة الطلاب. وكان توزيع الطلبة المقبولين (1491) على الشكل التالي: (712) طالبًا وطالبة في البرنامج الدولي أي نسبة (47.7%)، وفي الموازي (154) طالبًا وطالبة أي نسبة (10.3%)، وإن مجموعة المقبولين في كل من الدولي والموازي شكّل (866) طالبًا وطالبة بنسبة (58%). أما عدد المقبولين في القبول الموحد فقد ارتفع إلى (392) بنسبة (26.2%)، بينما انخفضت المكرمة الملكية إلى أكثر من النصف ليصبح مجموع المقبولين لهذا العام 124 طالبًا وطالبة بنسبة (8.3%)، بهذا أصبح مجموع القبول الموحد والمكرمة (516) طالبًا وطالبة أي بنسبة (34.5%) أقل مما كان عليه قبل عشر سنوات (36%) فقد تمت زيادة القبول الموحد على حساب القبول في المكرمة السامية. والجدير بالذكر أن كلاهما يمثلان منافسة على المستوى الوطني وبفارق ضئيل.
وإذا تمت المقارنة بين العالم الحالي وبين القبول قبل عشر سنوات نلاحظ أن هنالك زيادة في أعداد الطلبة المقبولين بشكل كبير وكذلك تعزيز مفهوم التعليم الطبقي وهذا يتناقض مع قانون التعليم العالي والبحث العلمي لعام 2018 وذلك حسب المادة 3 من البند (أ)، والذي يُشير إلى أن مهام التعليم العالي تتضمن إعداد الكوادر البشرية المؤهلة والمتخصصة في حقول المعرفة المُختلفة لتلبية احتياجات المجتمع بما يتواءم مع أهداف التنمية وخططها الشاملة. وأصبح التعليم متوجهًا للفئة المُقتدرة من المجتمع والطلبة الوافدين.
من جانب آخر نجدُ أيضًا بأن الطلبة الذين حصلوا في الثانوية العامة على مُعدلات تتجاوز 90% ويطمحون في دراسة الطب قد هاجروا إلى الخارج، ليتم الدفع على دراستهم هُناك بالعُملة الصعبة، وكذلك يعودون بمستوى مُتواضع في غالبية الحالات، بينما تُشرّع جامعاتنا أبوابها للمسار الدولي دون تحديد أية نسب يتم الالتزام بها."
يتضح من الدراسة أن التعليم الطبي يتجه نحو الربحية من خلال زيادة قبولات الدولي والموازي على حساب الموحد، وقد يفهم ذلك في ضوء المديونيات الكبيرة التي تثقل ميزانيات الجامعات، حتى أصبح البرنامج الطبي هو الهدف والمنفذ لإنقاذ مالية الجامعات،..! وقد ينعكس كل هذا على جودة التعليم وتعاظم الكم على حساب النوع والجودة.
ومنذ فترة قام خبراء الفدرالية الدولية للتعليم الطبي (WFME) بزيارة هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها لأغراض الاعتراف الدولي بالهيئة من قبل (WFME)، بحيث تصبح الهيئة جهة مرخصة دولياً لضمان جودة واعتماد كليات الطب في الجامعات الأردنية والأقليمية،
وهذا يدلل على حرص نظامنا التعليمي على المحافظة على المستوى المتميز ودخول بوابة العالمية من خلال الإعتمادية الدولية التي تقدم كلياتنا وخريجيها للعالم.
وتعتبر (WFME) من أهم الجهات الرسمية لاعتماد مؤسسات التعليم العالي الطبية فى العالم، حيث صدر قراراً يتضمن عدم الاعتراف بأى خريج من مؤسسات التعليم الطبية بحلول العام 2023 إذا لم تكن هذه المؤسسات معتمدة من قبل (WFME)،
الخلاصة: قد لا يكون القرار الكويتي ذو أثر سيما أنه يحتمل ابعاد داخلية لديهم، لا تشير لتقييم كليات الطب لدينا، ومع كل هذا فيتفق غالبية المهتمين وصناع القرار على وجوب تطوير التعليم الطبي وأدواته وبنيته التحتية الفنية وتطوير قدرات القائمين عليه، وإكسابهم خبرات عالمية، من خلال الإبتعاث أو الدورات المتخصصة، والشراكات مع كليات طب مرموقة إضافة لورش عمل وندوات ومؤتمرات عالمية، وكذلك التركيز على الإعتمادية الدولية، وإعادة النظر بنسب القبول وزيادتها لصالح الموحد، وتوفير التمويل الازم الذي يطور كليات الطب ويحافظ على التميز والمنافسة الإقليمية والعالمية والتي تتسارع ولا تنتظر أحد… سيما أن منظومة التعليم والتعليم العالي في بلدنا لديها ملفات كثيرة بحاجة لمعالجة فورية دون إبطاء… حمى الله الأردن.