لم أعهد بنفسي الكتابة عن حدث أو فعالية أو نشاط أو حتى حراك سمعت به أو رأيته أو شاركت به. إلا أن بعض الاحداث تستوجب علّيَ مسك القلم ونظم الكلم؛ لاستدعي ما بداخلي ليكون له ما أحسبه أن يليق به، ومثل ذلك لا يتحقق إلّا لحدث فريد وهو مؤتمر حزب تيار التنمية والتحديث.
وحقيقة الأمر أنني لا اكتب لذلك أو عن ذلك لغاية أو مصلحة غير أنني شهدت، وكثير من رفاق العمل السياسي، نشاطاً سياسيا ً قل نظيره تجلى باختتام فعاليات وأعمال مؤتمر حزب تيار التنمية والتحديث "تحت التأسيس"، التي انعقدت على مدار يومين جال فيها المتحدثون بطيب الحديث، وحلّقوا بنا بآفاق الفكر؛ فكان للحضور دوره كما للمتحدثين أدوارهم، إذ اشترك في فعالياته فسيفساء من البشر، تنوعت أطيافهم ومحافظاتهم، وتعددت فلسفاتهم. وإني لأحسبهم لم يجتمعوا لشيء غير ذلك الفكر الذي استدعى توحدهم؛ استجابةً لتوجهات قائد الدولة بأن يكون لأبناء الوطن دورهم الحقيقي في التنمية والتحديث؛ فالأوطان لا تبنى بالمخاوف بل بالعمل الجاد والعزيمة التي لا تلين، فكان خيارهمهم وبيت أمان فكرهم حزب تيار التنمية والتحديث؛ ليكونوا فيه كلهم سواء، ليس لأحد على أحد فيه فضل أو تفضيل إلا بالعمل والبناء؛ إذ لا حاجة للحزب لبروتوكولات استعراضية ومشاهد تمثيلية وآفاق كرتونية وبطولات وهمية.
أعود لمؤتمر الحزب لأقول بأنني شعرت، ولأول مرة رغم كثرة اللقاءات والمؤتمرات التي اشتركت بها هنا وهناك، أنني أمام مؤتمر حقيقي، مؤتمر مختلف؛ فلأول مرة أشعر أنني بمعيـّة نخب حقيقية لا نخب مزيفة، نخب لم تظهر يوماً على السطح ولم تسلط عليها شاشة، ذلك أن ليس لها في ذلك ذنب غير أن بعض من طافوا على السطح وسلطت عليهم الأضواء كانوا ممن ارتكزوا على مبادىء هشـة؛ فخفت أحمالهم وخفوا معها فطافوا على السطح، وكان لهم بعد ذلك ما كان من سنوات التنظير والتأطير الذي لم يسمن ولم يغني من جوع، وأحسب أن تلك الحقبة وَلّـت إلى غير رجعة.
إن التفاعل الذي شهدته أروقة المؤتمر، ونبض الشباب المتحمس الذي لمَسته بأم عيني جعلني أشعر بأنني حقيقةً أمام جيلٍ سيحدث الفرق وحتماً سيحدث الفرق؛ فجملة الأفكار الخلاّقـة التي طُرِحت كفيلة بأن تُحدث التغييرالمنشود إذا ما تم العمل بها ولها. كما أن الأوراق السياسية المتنوعة التي تم عرضها وحملت تحديات الدولة وسبل النجاة لغد أفضل تُشكِل خارطة طريق لكل من تاه عن طريق العمل البناء.
والسؤال الذي أطرحه هنا: أين هـم من وصفوا أنفسهم، ولسنوات طويلة، بأنهم ساسة العمل السياسي عن هذا الجيل؟! ألم يعلموا بعد أولئك الساسة المخمليين، كما يصفون أنفسهم لا كما نصفهم نحن، بأن أدوات التنمية والتحديث اليوم غير تلك التي ارتكزوا عليها واجبرونا على الارتكاز عليها معهم لسنوات؟!
ألم يعلموا بأن رهاننا وقائدنا وولي عهده هو: على جيلِ الريادة والإبداع والابتكار، جيل الحماس والمثابرة والعزم؟ ذلك الرهان الذي له مبرراته.
في هذا السياق، أحسب أن حزب تيار التنمية والتحديث قد أحسن صنعاً؛ إذ قدم نفسه لجيلِ اليوم بالصورة الحقيقية والنهج المطلوب فكانت قناعة الجيل به وكان الحزب طريقهم ووسيلتهم وغايتهم لقطف ثمار الغد الأفضل.
أما عن مؤتمر الحزب فقد كان بحق مثال يحتذى في التنظيم والتأطير والعرض، وأحسبه خرج بالصورة التي وضعها منظموه وتأملها منتسبوه، ومن شهد فعاليته يعرف أنني لم أبالغ في وصفي غير أنها شهادة نفسي في حدث استدعى قلمي وفكري لأول مرة، والله من وراء القصد.