حركات الهجرة للكثير من أبناء القبائل منذ عقود عدة جعلت الكثير من المجتمعات المدنية والتنمية البشرية عبارة عن مزيج من الأطياف الاجتماعية.
من الطبيعي جدًّا أن يحدث مثل هذا الانفتاح والتوسع المكاني في عصر النهضة وزيادة عدد السكان، ويحدث ذلك حتى على مستوى قارات العالم، وفي ظل طلب الرزق والتعليم كانت الهجرة العكسية من القرية إلى المدينة، حيث الوظائف والجامعات.. ولم يبقَ في القرى والمراكز والهجر إلا الندرة اليسيرة جدًّا.. ولا أدل على ذلك من حركة ضم المدارس التي انتهجتها وزارة التعليم بسبب ضعف أعداد الطلاب في بعض تلك المواقع.
حسب اشتراطات علماء الاجتماع، قيام أي جماعة يتطلب عنصرَين، هما: الاستقرار المكاني، وعاطفة الجماعة. وأعتقد أن هذين العنصرين -أو أحدهما- غير متوافرَين في معظم القبائل اليوم، وذلك بعد أن انصهرت جميع فئات المجتمع القبلي والمدني، وكونت المجتمع السعودي بعيدًا عن الاهتمام بأصول المواطنين؛ لأن التركيز تحوّل من الهوية القبلية إلى بناء الوطن.
لا شك أن دور القبيلة أقل من الدولة، خاصة في جوانب توفير العيش الكريم للجميع. وهذا لا يعني تهميشها أو نكران دورها في السابق، لكنها اليوم تحتاج إلى إعادة تصحيح لبعض المفاهيم. وما نراه من بعض الشخصيات المجتمعية لَدليل على خطر النعرات والتباهي بأمجاد السابقين، والتفاضل بالنسب.
العالم المدني الحديث بدأ في نزع السلطة المطلقة من يد القبيلة؛ لتكون تحت مظلة الدولة. ولا ضير من وجود القبيلة الحتمي في المجتمعات المدنية المعاصرة؛ فإنه يحتاج إلى أن يكون أكثر تنظيمًا وكفاءة في العمل؛ باعتباره إحدى مؤسسات الدولة الاجتماعية.
ولذلك أرى أهمية إدراج القبيلة كمؤسسة لها هيكلة رئيسية، ومعايير للعمل الجاد، ومؤشرات إنجاز سنوية، ومهام وأدوار ومسؤوليات لجميع المنتسبين لها، وقاعدة بيانات، مع عمل مبادرات للعاطلين عن العمل، والمحتاجين، وعقد دورات تدريب وتأهيل لأبنائها، ورعاية وإنشاء أوقاف ريعية، تساعدهم في عصب التقدم والنماء.
إن تطوير القبيلة وتفعيل نظامها كمؤسسة اجتماعية يحقق الكثير من المكاسب المجتمعية والإنسانية، مثل توعية شباب القبيلة، وفتح لجان لفض المنازعات وإصلاح ذات البين؛ لتحقيق الأمن والاستقرار وحفظ النظام.
مثل هذه الأفكار تناولها الكثير من الكتاب، ولكن تحتاج إلى تطبيق؛ فوراء كل فكرة خطوة للأمام، والتطوير والتجديد يجب ألا يكونا مجرد فكرة في الرؤوس، بل حقيقة يراها الناس جميعًا.