ما الحياة دونَ عزمٍ وإرادة؟ فمسيرة الحياة تتطلب منّا أن نتسلَّح بالعزم والإرداة، فلا تسير الأمور عشوائياً ولا تدور عجلة الدولاب من غير قوة دفع الماء كما في الناعورة التي تئن وهي تهوي بالأوعية الفارغة إلى أسفل ولكنها تعود وتصعد للأعلى بالأوعية الملآى بالماء إلى حافتها.
هكذا وجب أن تكون عليه حياتُنا، إذ يجب أن نتسلح بالعزم والإرادة، فتتشكلَ لدينا في حياتنا عقيدة صلبة قادرة أن تحقِّقَ المعجزات. فحريةُ كثيرٍ من الشعوب لم تتحقق من غير عزم ثابت وإرادة صلبة شكلتا القاعدة الصلبة لتحقيق ما تتوق إليه القلوب وما تصبو إليه الآمال. وكذلك الحضارات، لم تكن من غير جهد وعمل ومثابرة شكَّلت بمجملها حضارات الشعوب والأمم.
فأهم ما يجب أنْ يميّزَ حياتَنا هو العزمُ والإرادةُ وقوَّةُ الإيمان، فبدون هذه العناصر الثلاثة يصعب أن تتحقق المعجزات. ففي قصة المفلوج الذي لا يقوى على المشي والحركة وجد أربعة من محبيه يحملونه على حمّالة ويهرعون به إلى حيث كان السيد المسيح متواجداً في بيتٍ في كفرناحوم على ضفاف بحيرة طبريا، وأصّروا إلا أن يزيلوا كل العوائق ليصلوا إلى حيث كان المسيح متواجدا داخل البيت حتى ولو نقبَّوا السقف ودّلوا الحمالة في فوقٍ إلى أسفل.
إن مثل هذه الإرادة وهذا العزم لا يَحدُّها شيء، و لا تقفُ في طريقها عقبة، ولا يعتريها خوف ولا يسودها خجل، بل الأصرار على الوصول إلى النتيجة المرجوة. وبهذا العزم وبهذه الإرادة مَثَلَ هؤلاء الأشخاص الأربعة أمام السيد المسيح واثقين ومؤمنين بأنَّ حياةَ ذلك الشاب المفلوج سوف تتغير وسوف تنال نعمة الشفاء. هذا هو نوع الإيمان الذي يطلبه المسيح منّا اليوم، المتسلح بالعزم والإرادة والإصرار على الشفاء، عندها فقط تتحقق المعجزات. فأين اليوم نحن من هذا الإيمان المتسلَح بهذا العزم وهذه الإرادة؟
بمثل هذا الإيمان نكون قادرين أن نغيّر العالم من حولنا، فعلينا أن نؤمنَ بقيم الإنسان والإنسانية وعلينا أن نؤمن بحرية الشعوب وحقّها في الحياة الكريمة وعلينا أن نؤمن بالعدالة والمساواة وسيادة القانون، عندها فقط نقدر أن نحقق المعجزات. فهذا النوع من الإيمان "موجود مفقود"، ولكن إنْ وُجدَ لدى الشعوب فلا بّد أن تتحقَ آمالُهم وتصبحَ أحلامُهم واقعاً. وكما يقول محمود درويش " ورب سنبلة تموت ستملئ الوادي سنابل".