سلط برنامج عين على القدس، أمس الاثنين، الضوء على محاولات الاحتلال الاستيلاء على أرض تابعة لدير الأرمن في القدس من خلال صفقة "مشبوهة" تم بموجبها تأجير الأرض لشركة تابعة للاحتلال لمدة 99 عاماً.
وقال تقرير البرنامج المصور في القدس إن الجمعيات الاستيطانية المتطرفة استغلت الظروف الراهنة والحرب الهمجية المستمرة التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة، حيث قامت بـ "الانقضاض" بشكل مفاجئ على ساحة دير الأرمن الواقعة جنوبي غربي البلدة القديمة من القدس، برفقة جرافات بدأت بهدم جزء من أسواره في محاولة للاستيلاء عليه بالقوة.
وأوضح التقرير أن قصة التوتر في حي الأرمن بدأت بعد أن تم الكشف عن صفقة غامضة تم إبرامها عام 2021 بين رئيس الكنيسة الأرمنية في القدس، البطريرك نورهان مانوغيان ورجل أعمال أسترالي إسرائيلي، تتضمن تأجير أرض يملكها دير الأرمن، ما أثار غضب الجالية الأرمنية في الحي، والذين قاموا بمطالبة البطريرك بإلغاء هذه الصفقة المشبوهة.
فيما ادعى البطريرك نورهان بأنه تعرض "للتضليل والخداع"، وأنه بدأ بإجراءاته القانونية لإلغاء الصفقة، في الوقت الذي يقول فيه سكان الحي الأرمن إن مشروع تأجير الأرض لم يقتصر على موقف السيارات الخاص بهم والذي يعد أكبر مساحة مفتوحة في البلدة القديمة، بل اشتمل أيضاً على حديقة البطريرك والمعهد الديني وخمسة منازل.
ووفقاً لأحد سكان الحي، وهو الشاب ستراك بليان، فإن البطريركية الأرمنية طالبت بإلغاء الصفقة، حيث كان من المفترض التفاوض مع "الشركة الخاصة"، إلا أن الشركة قررت بدلاً من الذهاب إلى المفاوضات هدم جدران موقف البطريركية بالجرافات برفقة عدد من المستوطنين المسلحين وكلابهم، إلا أن المجتمع الأرمني تمكن من الوقوف في وجههم وإيقافهم.
وأشار التقرير إلى أن مدينة القدس بأهلها ومقدساتها تتعرض لهجمة غير مسبوقة بعد بدء الحرب الوحشية على قطاع غزة، من خلال منع الاحتلال الإسرائيلي المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك والاعتداء عليهم، وتشديد الإجراءات على مداخل البلدة القديمة في القدس واعتقال المقدسيين، إضافة لعنف المستوطنين المتزايد بحقهم.
من جهته، قال سفير دولة فلسطين في الدنمارك، الدكتور مانويل حساسيان، إن هناك لجنة كنسية عليا برئاسة الدكتور رمزي خوري، والدكتور وصفي الكيلاني ممثلاً عن الأردن وممثلا عن الخارجية الأرمينية، تتابع تطورات القضية على أرض الواقع، لافتاً إلى أن اللجنة اكتشفت أن الشركة التي تم توقيع عقد تأجير الأرض معها، هي شركة إسرائيلية مسجلة "عبر المحيطات"، كما اكتشفت اللجنة أن هناك شريكا فلسطينيا من عرب 48 للمستثمر الأسترالي.
وأضاف أن الأردن والحكومة الفلسطينية قامتا بعد ذلك بتجميد الاعتراف بالبطريرك بناء على توجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإعطاء القضية بعداً محلياً وإقليمياً ودولياً، ما أدى إلى تحرك دولي من خلال اجتماعات في الأردن وروما وأرمينيا لمتابعة القضية.
وأشار السفير حساسيان إلى أن الشعب الفلسطيني يثمن دور الأردن وجلالة الملك عبدالله الثاني، الذي لم يدخر جهداً في نصرتهم، ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي على المستوى السياسي في جميع المحافل الدولية.
واكد ان موقف الأردن يبدو جلياً على المستوى الإنساني كذلك، حيث أنه "سباق" دائماً في دعم الشعب الفلسطيني، واعتبار القضية الفلسطينية قضيته الأولى، معبرا عن شكره للأردن على دعمه المادي المستمر لأهل غزة والقدس، وخصوصاً في ظل الظروف الراهنة.
بدوره، قال محامي أبناء الطائفة الأرمنية في القدس، الدكتور سامي ارشيد إنه جزء من طاقم قانوني دولي يمثل أبناء الطائفة الأرمنية، الذين اكتشفوا بعد حزيران 2021 أن بطريرك الأرمن في القدس قام بالتوقيع على اتفاقية مع شركة تسمى "حدائق زادة"، التي تم تأسيسها لهدف هذا الاتفاق فقط، وبموجب هذا الاتفاق تم تحكير ما يزيد عن 5ر11 دونم من أراضي الحي بحجة إقامة فندق ومنتجع فاخر عليها، مشيراً إلى أن هذه الأرض تعد الأخيرة داخل أسوار القدس القديمة، والتي تبين لاحقاً أنها تشمل حديقة الأرمن وجزءا من المدرسة الدينية الأرمنية داخل حي الأرمن.
وأوضح المحامي ارشيد أن أهالي الحي قاموا بتجنيد طاقم قانوني من اجل إلغاء الصفقة لعدة أسباب، أهمها أن الأشخاص الذين وقعوا على الاتفاقية لم يتشاوروا مع الممثلين الشرعيين عن الطائفة الأرمنية، كما أن البطريرك الذي وقع الاتفاقية لم يقم بإعلام المملكة الأردنية الهاشمية بهذه الصفقة، بالرغم من أنها الوصي الشرعي والقانوني على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية بموجب الوصاية الهاشمية المعترف بها دولياً، مضيفا أن هذه الصفقة لا تعود بأي فائدة على أبناء الطائفة، وهي تضر وجودهم في القدس، والذي بدأ منذ 16 قرناً.
وأشار ارشيد إلى أن تجميد الاعتراف بالبطرك كان له دور أساسي بتغيير توجهه والمطالبة بإلغائها، حيث أنه قام بالتوقيع على هذه الاتفاقية بنفسه في العام 2021 دون علم الأردن والطائفة الأرمنية في القدس، وبالرغم من معارضة السلطة الفلسطينية.