أن أزمات منطقة الشرق قد تعطي دفعة إيجابية للعلاقات السعودية ــ ألإيرانية ومن المرجح أن ينعكس تعاون الدولتين مع الصين على تزايد فرص الإستقرار في الإقليم رغم التحديات المتنامية، وأنه في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والتحديات الأمنية ألتى تشهدها المنطقة، يأتي تشكيل اللجنة الثلاثية المشتركة بين السعودية والصين وإيران كخطوة إستباقية وأستراتيجيه بمثابة تحالف يجمع بين قوى القارة الآسيوية والعربية وبداية لتحولات جذرية في السيناريوهات الإقليمية المستقبلية، ومن المتوقع أن يمثل الإجتماع الأخير الذي عقد في بكين الجمعة الماضي إشارة إلى الدور المتنامي للصين على الصعيد العالمي، إذ لم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في حل مخاوف الدول الخليجية من حلفاء إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وأثبتت الوساطة الصينية قوتها في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين مع إفتتاح أبواب السفارتين في الرياض وطهران، إضافة إلى تسيير الرحلات الجوية وتعزيز العلاقات السياحية والإقتصادية بينهما، أما فيما يتعلق بالملف اليمني، أن الحوثي يقترب كثيراً من قبول الوساطة السعودية ـــ العمانية ألتى ستنهي بدورها الحرب الأهلية في البلاد لتشكيل حكومة موحدة بعد فترة إنتقالية، في وقت كان قد أعرب الجانبان السعودي والإيراني أثناء الإجتماع الأول للجنة الثلاثية بعد تشكيلها عن التزامهما الكامل تطبيق " إتفاق بكين "، فيما أكد الجانب الصيني إستعداده لمواصلة القيام بدور بناء ودعم الجانبين في إتخاذ مزيداً من الخطوات نحو تعزيز العلاقات، كما أنه أيضا من الممكن قياس هذا التطور الإيجابي في العلاقات السعودية ـــ الإيرانية بأربع دول تعاني سابقاً الصراع وهي اليمن والعراق وسوريا ولبنان، إذ تراجعت حدة الإنقسامات الداخلية في هذه الدول، وعلى سبيل المثال لا الحصر تم العمل على برنامج محدد لجمع الأطراف المتحاربة في اليمن، أما في العراق فتظهر التطورات السياسية فيه بصورة واضحة خلال الأعوام الخمسة الماضية، وتتجلى البصمة الإقتصادية السعودية في الشأن العراقي وأصبحت خطوات المملكة العربية السعودية في العراق مرحباً بها، على عكس ما كانت عليه قبل عام 2015 وأضفى الأتفاق مزيداً من الزخم عليها، ومن المتوقع أن يتم التوصل إلى تسوية تضمن حقوق الشعب السوري وعودتهم لبلادهم بعد إستئناف العلاقات السعودية ـــ السورية ولو جزئياً، أما في لبنان وبعد التمديد لقائد الجيش فهناك حديث متصاعد حول الملف الرئاسي، وحتى لو كان هذا الأتفاق لم يؤتِ ثماره سياسياً في هذه الدول، فإنه بالتأكيد سيخفف من حدة التوتر بين السعودية وإيران الذي كان يعتبر من أهم المشكلات في منطقة الشرق الأوسط وتأثيره في أسعار الطاقة والسلام الإقليمي بصورة عامة، وكانت قد أعربت اللجنة الثلاثية عن قلقها تجاه إستمرار الأوضاع الحالية في قطاع غزة كتهديد للأمن والسلم في المنطقة وعلى الصعيد الدولي، مؤكدين على ضرورة وقف فوري للعمليات العسكرية وإغاثة المدنيين في القطاع ومعارضة التهجير القسري للفلسطينيين سواءاً لمصر أو للأردن، مع إمكانية إستخدام البلدين ثقلهما بصورة إيجابية لتسهيل حلحلة الملفات في اليمن أو فلسطين حتى وإن كانت لا توجد مؤشرات إلى التوافق بين حركتي حماس أو فتح أو السلطة الفلسطينية، ويبقى يأمل أن تعطي خطوة التوافق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية زخماً جديداً للتعاون الإسلامي، خصوصاً بعدما تطور المشهد السياسي والدبلوماسي للبلدين أثر زيارة فخامة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الرياض لحضور القمة الإسلامية الإستثنائية واللقاء التاريخي مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وهو اللقاء الأول بين القيادتين منذ نحو 11 عاماً، ولم تكن المحاولة الصينية هي الأولى لرسم خريطة التواصل بين الدولتين، إذ كانت لسلطنة عمان ودولة العراق محاولة لوضع جسر المصالحة من خلال إستضافتهما جولات الحوار بين عامي "2021 و2022" ، ومن ناحية الإرادة المشتركة يمكن القول بأن الجانب الإيراني أراد تسريب الضغوط الواقعة عليه من واشنطن والغرب وعقد مقاربة تمكنه من جذب السعودية ودول الخليج بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية أو أية ترتيبات أمنية إقليمية، أما الجانب السعودي بقيادة خادم الحرمين الشريفين وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد فأرادا البحث عن تهدئة إقليمية تحقق الإستقرار الأمني في الإقليم ضمن مقاربة الرياض الخاصة وأهداف رؤيتها 2030 نحو تصفير الأخطار وتعظيم فرص التنمية وتنويع التحالفات، وبالنسبة إلى الصين، فكانت وسيطاً مقبولاً لدى الطرفين بلا مصالح ضيقة، وكانت فرصة لها لتأكيد وجودها والإضطلاع بدور مهم على المستوى السياسي ألتي فشلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، لذا يمكن القول بأنه من هنا كانت قد أتخذت العلاقات السعودية ـــ الإيرانية مرحلة جديدة كلياً أتسمت بخصائص عدة :
أولها : البحث عن توافقات الحد الأدنى وتأجيل الخلافات المعوّقة، ثم التعامل مع الملفات الأكثر سخونة وهي الدفع بعودة العلاقات الثنائية وتحقيق التهدئة في اليمن وبناء خط للمفاوضات وخفض تصعيد حلفاء إيران تجاه الإقليم.
ثانياً : إطلاق مسار للتهدئة الإعلامية وخفض أو تحييد الخطاب الإعلامي وتنظيم التصريحات والخطاب الرسمي للدولتين، وكمراقب أقول بأن خطوط بناء الثقة وخفض التوتر هي ألتي ستحدد وتشكل طبيعة إستمرار العلاقات واتجاهاتها، في ظل وجود ملفات أخرى مهمة مثل الأمن الإقليمي ومصير حلفاء إيران في المنطقة، وهي مواضيع ستفرض نفسها، خصوصاً بعد مرور 75 يوماً من الحرب البربرية والهمجية على غزة ودخول الحوثيين في التصعيد، هذا وكانت قد بدأت العلاقات بين البلدين تشهد تطورات إيجابية جديدة في الأونة الأخيرة على رغم تركيز جهود الطرفين على وقف إطلاق النار في غزة والحد من آثار الحرب الدائرة وتوسعها، وفي هذا السياق كان قد باشر القنصل العام الإيراني في جدة السيد حسن زرنكار أبرقويي مهمات عمله، وبدأت حركة المعتمرين الإيرانيين تتم بوتيرة أسرع، في حين كشفت المصادر الإيرانية عن تبادل وشيك للرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، فيما ظلت الوفود الإيرانية تحضر المناسبات الدولية المقامة في المدن السعودية.