تتعدى مأساة حالات الانفصال مخيلة الأطفال في بعض الأحيان، إذ لا يقوى التكوين الذهني لهم على استيعاب مفهوم "الطلاق" بأبعاده، ما يضعهم في حالة نفسية يصعب تقبلها والتعايش معها، وما هو أسوأ ألا يرى الوالدان أهمية الرعاية النفسية للأطفال في هذه المرحلة.
تلاحظ المستشارة الأسرية والمرشدة المجتمعية همسة يونس كما أوضحت لـ 24 أن العديد من نماذج الانفصال تتخذ هذه الخطوة، دون النظر إلى العواقب المترتبة عليها والتي يقع ضحيتها الأطفال.
وتذكر يونس تأثير الانفصال على الأطفال قائلة: "طلاق الوالدين يؤثر سلباً على تقدير الذات لدى الأبناء، ويسبب خللاً في إشباع حاجاتهم النفسية"، وتكمل "لا شك أنه يولد عقداً من النقص والشعور بعدم الأمان والحب والتقدير من قبل الآخرين".
ما بعد الانفصال
ويترتب على مشاعر النقص التي من المتوقع أن يواجهها الطفل بسبب الانفصال "العديد من المشكلات النفسية والسلوكية والاجتماعية" بحسب يونس، لذلك من المهم جداً تهيئة الأطفال نفسياً في مرحلة ما قبل الطلاق، ثم إعادة تأهيلهم نفسياً واجتماعياً في مرحلة ما بعد الطلاق.
لا تتوقف عملية الانفصال على ترك صورة سلبية عن العلاقات بذهن الطفل، إذ إنها تؤهل لـ "صورة نمطية سلبية عن العلاقات الاجتماعية، يبني عليها علاقاته المستقبلية سواء في إطار الأصدقاء أو شريك الحياة، مما يؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية للطفل".
ووفقاً ليونس "الوالدان قد يوفران كل ما يسهم في تقديم الدعم النفسي للطفل بعد الطلاق، إلا أن ذلك لا يلغي حجم الألم النفسي الذي يعيشه الطفل بسبب الطلاق"، حتى وإن كان الطلاق قد أنهى حالة الخلافات الزوجية والأسرية المتواصلة بين الوالدين.
وتشرح المستشارة الأسرية والمرشدة المجتمعية لـ 24 بعض التغيرات السلبية التي تطرأ على سلوكيات الطفل بفعل الانفصال "يتنامى لدى الطفل شعور بالذنب تجاه انفصال والديه فيلجأ لمعاقبة نفسه ومعاقبة والديه، من خلال بعض السلوكيات السلبية"، ومن هذه السلوكيات "إهمال تحصيله الدراسي والعلاقات الاجتماعية، إضافة إلى افتعال المشكلات السلوكية داخل البيت أو المدرسة، ليحصل على انتباه والديه واهتمامهما ولو بطريقة سلبية".
ماذا بعد الصدمة؟
تؤكد يونس أنه من الوارد جداً دخول الطفل في حالة إنكار ما بعد تلقيه صدمة الطلاق، من خلال رفضه لتقبل فكرة غياب الأب أو الأم، وعليه يلجأ الطفل ليحبس نفسه في عالم من أحلام اليقظة، كنوع من أنواع الحيل الدفاعية النفسية ليحمي نفسه من كمية الألم ويخفف من الضغط النفسي الواقع عليه.
وعليه ترى يونس أهمية اللجوء إلى مختصين لمساعدتهم في إيصال فكرة الطلاق بأقل الأضرار النفسية، ويعتمد ذلك على عمر الطفل أو المراهق ونمط شخصيته ومستوى وعيه وإدراكه.
وتكمل "على الأهل متابعة الجلسات ما بعد الطلاق لتقديم الدعم النفسي للأبناء، تلافياً لأكبر قدر ممكنٍ مِن الآثار النفسية السلبية"، بالإضافة إلى جلسات الدعم النفسي للوالدين لمساعدتهما على التعامل السليم مع ما سيفرزه وضع الانفصال من انعكاسات على مشاعر الأبناء وسلوكياتهم.