ألمح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى إمكانية التفاوض مع روسيا، انطلاقًا من حتمية الجغرافية الأوكرانية أي دون المناطق التي ضمتها روسيا مؤخرا، ودون شبه جزيرة القرم التي ضمت عام 2014.
ليأتي الرد الروسي الرافض لهذا الاقتراح جملة وتفصيلا، حيث علق المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على طرح كييف قائلا: "إن الواقع الجيوسياسي تغير، وروسيا ضمت أربعة أقاليم جديدة".
وأكد الخبير في الشؤون العسكرية دينيس خوتوروف ، أن أوكرانيا تمر الآن من مرحلة "المكابرة حول معطيات الواقع"، مضيفا: "تدرك كييف الآن أن الأمور قد تغيرت تماما، وأسباب هذا الإدراك ترجع إلى الوضع الميداني؛ فروسيا تتقدم والأوكران تحولوا من مرحلة الهجوم واستعادة الأراضي إلى الدفاع المتقهقر أو الانسحاب، وهذه المرحلة تحديدا في دراسة الحروب تأتي قبل الانهيار الكبير؛ لذلك بدأت كييف بطرح فكرة التفاوض".
وأضاف خوتوروف ، "أن السبب الآخر هو جفاف الدعم الحقيقي، نحن لا نسمع سوى الحديث عن مليارات وأسلحة لكن على الجبهة لا تتأثر بأي شيء؛ لذلك بدأنا نسمع عن إرسال جنود كما تحدث ماكرون".
من جانبه، يرى الباحث في الشأن السياسي الأوكراني تورال مينجاليف، أن الوضع العسكري قد يكون فعلا دافعًا للحديث عن تفاوض، لكن "الوضع السياسي الداخلي هو دافع أيضا".
وأوضح مينجاليف في حديثه صحفي "حول وضع أوكرانيا الراهن، "أن كييف تمر بمرحلة سياسية حساسة تعيشها أي دولة تخوض حربا طويلة، وتولد هذه المرحلة من رحم التطورات الداخلية؛ لذلك لا بد لنا من فهم الوضع الداخلي الأوكراني".
أصوات أوكرانية.. الحرب غير مجدية
وأضاف: "في البداية هناك تيارات داخل أوكرانيا ترى أن تعامل الإدارة الحالية مع الحرب غير مجدٍ، والتغييرات التي يقوم بها زيلينسكي غير كافية، وبما أن الانتخابات في أوكرانيا اقتربت أصبح زيلينسكي معني بإرضاء هذا التيار الذي تتوسع قاعدته الجماهيرية يوما بعد يوم".
ولفت إلى "أن هذا الوضع الذي تحدثت عنه هو ما يدفع كييف لطرح فكرة التفاوض، الفكرة فقط دون تطبيقها لإيصال رسالة داخلية أننا نريد التفاوض لكن روسيا ترفض؛ لذلك مضطرون لإكمال الحرب، وهو يعي تماما أن موسكو لن ترضى بأي مفاوضات تكون حدود عام 1991 (بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والاعتراف بالحدود الأوكرانية) للنقاش، وبهذا يكسب القاعدة الجماهيرية التي باتت مستاءة مما يحدث".
وختم قائلا: "في النهاية قرار التفاوض ليس بيد كييف والخطوط الحمراء أيضا ضمن المفاوضات ليست بيد كييف، هذه الحرب بين روسيا والغرب ومن يحدد خطوطها هم روسيا والدول الغربية، وأوكرانيا ساحة لهذه الحرب وليست لاعبًا أساسيًّا في الصراع على المستوى السياسي".
مبررات الرفض الروسي
وحول رفض روسيا لاقتراح زيلينسكي، قال الباحث في الشأن السياسي الأوكراني تورال مينجاليف، "إنه بالتأكيد سترفض موسكو، متسائلا لماذا تقبل؟ هل خاضت الحرب للعودة لحدود 1991، بالتأكيد لا، هناك أهداف واضحة لروسيا في حربها، وتتلخص أولا بجعل أوكرانيا دولة محايدة لا تميل لكفة الغرب، ولتحقيق هذا لا بد من وجود مفاوضات مع الغرب".
وتابع: "لكن هذه المفاوضات ليست على ما ضمته روسيا بل كيف سيكون وضع المناطق التي تبقت بيد أوكرانيا، ولتطبيق ما تريده موسكو في أوكرانيا الجديدة، يجب أن يتم تطبيقه بضمانات أمنية غربية مكتوبة، تريح موسكو من طرف كييف، وبهذه الحالة تنتهي الحرب".
روسيا تمتلك زمام المبادرة ميدانيًّا
وفي السؤال عن الوضع الميداني وتأثيره على رفض موسكو، أكد الخبير في الشؤون العسكرية دينيس خوتوروف، "أن روسيا تمتلك الآن زمام المبادرة، وتتقدم بثبات وهذا ما يعطيها موقف القوي بالمفاوضات، ومن يملك القوة على الأرض هو من يضع معالم أي تفاوض".
وردًّا على سؤال حول شكل المفاوضات التي تريدها روسيا يقول خوتوروف: "الأمر غير معقد والكرة في ملعب الدول الغربية، عندما يقتنعون أن الحل العسكري فشل، وهم بدؤوا يستشعرون ذلك لكن بخجل، حينها تبدأ الرسائل تصل لموسكو".
وأضاف: "في حال وصول هذه الرسائل، يكون العمل على المفاوضات قد بدأ وسننتقل لمرحلة إعداد طاولة المفاوضات، وربما يسبق ذلك اتفاق لوقف إطلاق النار أو تهدئة معينة".