ينقضي رمضان ببركته وخيره ، وياتي عيد الفطر ، تلك الفرحة الكبرى التي إنتظرها الصائمون ، فقد فازوا بالجائزة الصغرى . لقد كان للعيد الصغير "عيد الفطر " بحاراتنا المنسية طعما خاصا ، وكانت له طقوسه الجميلة ، التي كانت تتضمن صلاة العيد وزيارة القبور والدعاء لهم ، وزيارة الارحام من اخوات وخالات وعمات وبنات اخ وبنات اخت ، وتقديم ما طابت به خواطر أهل الحارات من نُقود او هدايا " العيديات " ، والسلام على الجيران والأقرباء والأصدقاء . طقوس كان يفرح بها الكبير والصغير على حد سواء ، ولا يتأخرون عن القيام بها ، فهي أمر مُقدَّس بنظرهم ، ولا يجوز التهاون فيها .
ليلة الإعلان عن عيد الفطر يبدأ الرجال بتحضير ملابس العيد ، وكذلك النساء والصبيان … ..
يرجع ابو فلاح وبقية رجال الحارة بعد صلاة الفجر الى بيوتهم ، فيلبسون القُمبَّاز او الدامر ، ويذهبون للمسجد لصلاة العيد ، ومعهم اطفالهم الذين لبسوا ما أشتراه لهم الأباء بمناسبة العيد . بعد الصلاة يبدأ الرجال بتهنأة بعضهم البعض… . كل عام وانت بخير… . كل سنة وأنت سالم… وبعدها يذهبون الى المقبرة لزيارة القبور ، وفي الأثناء يكون هناك العديد من ذوي المتوفين وخصوصا المتوفين حديثا ، يقفون على مدخل المقبرة بعد إن سُوِّرَت حديثا بسور من الإسمنت عالٍ ووضع لها بوابة من الحديد ، فمنهم من يحمل معه إقراص العيد ، ومنهم من يحمل إصفاط من الراحة او العجوة ، فيوزعونها على الزائرين عن ارواح المتوفين الذين لا زالوا يصرفون على الأحياء .
ابو فلاح واولاده يذهبون لزيارة العنايا " البنات والاخوات والخالات والعمات " فيُسلِّمون عليهن ، ومن ثم يُسلِموهن العيديات ، اما نقودا واما هدايا . وبدورهن تقوم العنايا بإكرام الصغار أما بتوفي إنجليزية او المخشرم أو نقود لا تتجاوز الربع دينار ، فهذه أخت ابو فلاح فضية تنادي على إفليّح إبن أخوها ابو فلاح : تعال يا غالي يا إبن الغالي ، وتضع بيده شِلم البريزة ، وتُعبي جيبته إمخشرم وتوفة إنجليزية ، وتقوم بتمطيقه على إخدوده حتى يصيرن حُمُر مثل الشوندرة ، وكانها من سنتين مش شايفيته بالرغم أنه كل يوم يظل لما تغيب الشمس وهو يلعب مع إبنها فضي دواحل بحوش دارها ، وتكون فضية في حالة من الإزعاج عندما تراه في حوش دارهم وتصفه بالمزعج وكثير الحركة وانه دوما يتعربش الجاجات .
اما نسوان الحارة فكل واحدة تقوم بواجب البيت من تنظيف ، وخبز الشراك ، وتجهيز القهوة السادة ، وبعدها يلبسن المدارق والحَطّات والبوشيات المقَصّبات ، واللي عندها عُرجة وقلادة رشادي تلبسها وتتباها فيها ، وينتظِرن اهاليهن اللي راح يعايدوا عليهن . واللي بتكون عيديته او هديته مليحة وعليها العين تتعربشه العنية وبتقربط فيه وبتمرمط قُمبازه وهي تعزم عليه مشان يتغدا عندها ، بقولها : وين قايم ؟! والله وعلى طريق جوزي ورحمة ابوي بترابه ما تطلع من داري الا بعد غدا أي أني ما صدَّقِت وقَضَبتك .
يقول لها محاولا الإعتذار : الله يرحم والديچ خلّيني أروّح ، لانه بدي أمُر على العنايا وأعايد عليهن .
تقول : أي أُقعد يا أبن الحلال ، النهار طويل ومِلحِق .
أمّا الذي تكون عيديته مُش ولا بُد ، تتعذّر منه تِعذير باهت ، وتكون عزيمتها رخوة : شو رايك خيوه تتغدا عندنا ؟ .
تكون فرحة الصغار عارمة ، فمن جهة يكونون في حالة من الفرح والسعادة بالملابس الجديدة ، والتي يضعونها جنب الفرشة مشان لما يصحوا يدرعوها " يرتدوها " ، ويظلوا بوجهم لقضاء العيد ببدلة جديدة وبصندل او ببوت جديد ، وكذلك فرحهم بالعطلة . ومن جهة ثانية فرحين بالهدايا اللي راح يوخذوها من اخوالهم وخالاتهم اللي مش راح يبخلوا عليهم بأي إفراطة من قروش وإشلومة ، لأنهم راح يشتروا سحبات وبالونات ويشتروا أيما بوظه و دورادو وأسكيمو بورِد من دُكّان ابو عيسى التُكّنچي ، وآخر النهار راح يصيبهم إهرار وإسهال .
بكل عيد في حاراتنا المنسية كان الختيارية ما يخلوا بيت الا ويدخلوه ويسلموا على أهله ، وما كانوا يستثنوا أحد من السلام .