يحتفل الأردنيون بكل اعتزاز وإجلال وفخرٍ في الخامس والعشرين من أيار في كل عام بذكرى عيد استقلال مملكتنا الحبيبة، الذي يصادف بعد غدٍ السبت، وهي ذكرى غالية على قلوبنا وخالدة في وجداننا... ذكرى تحمل بين طياتها عبق الرجولة، وقوة الإرادة... مستذكرين الإنجازات الوطنية التي قام بها البناة الأوائل بقيادة الملك المؤسس المغفور له عبد الله الأول بن الحسين، الذي استطاع إحداث تغيير كبير وقوي في صميم رفعة الوطن وبنائه، وذلك بالرغم من الإمكانات المحدودة آنذاك، ولكن قوة الإرادة في هزيمة المستحيل، وتذليل العقبات كانت أساسا ?لبا تمهيدا لإعلان المملكة الأردنية الهاشمية دولة ذات سيادة قادرة على امتلاك قرارها السياسي.
وآلت الراية إلى الملك طلال طيب الله ثراه، الذي في عهده تم إنجاز الدستور الأردني؛ ليتم بناء مقومات الدولة ومؤسساتها على أسس دستورية، وليكون هذا الدستور قاعدة تشريعية لحياة المواطن وبوصلة للمؤسسات تحدد لها حقوق المواطن وواجباته في دولة يحكمها الدستور، كما شهدَ عهده إقرار حقّ التعليم المجاني، حيث يعد هذا القرار الأول من نوعه في الأردن والوطن العربي، وكان له الأثر الكبير في النهضة التعليمية التي شهدتها البلاد فيما بعد.
ثم بدأ عهد البناء والتطوير بقيادة جلالة الملك الحسين رحمه الله باني نهضة الأردن الحديث، حيث قام بتعريب قيادة الجيش، وإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية، والتوجه نحو بناء القوة الذاتية للوطن في المجالات المختلفة، حتى أصبح الأردن بإنجازاته مثالا يحتذى في البذل والتميز. وخلال حكمه الميمون كان الحسين طيب الله ثراه، يؤمن بمبادئ السلام، والتسامح، والوفاق، والمساواة والعدالة حتى تمكن من جعل الأردن نموذجا ومثلا يحتذى به في الوسطية والاعتدال، وناضل بقوة في سبيل إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية؛ مسطرا بذلك مواق? بطولية يشهد لها القاصي والداني.
أمسك بعدها دفة الحكم بكل قوة واقتدار، وحكمة جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني في مرحلة حرجة مليئة بالتحديات، وسط إقليم ملتهب، تعصف به حروب وأزمات سياسية واقتصادية متتالية، فسار على خطى الراحل الباني، لتبدأ مسيرة الأردن الحديث برؤى جلالته الثاقبة، وبثوابت الهاشميين الأطهار، على أسس العقيدة السمحة، وباستشراف للمستقبل، ليكون الأردن الأنموذج هو أردن القرن الحادي والعشرين. وقد شملت مسيرة الملك المعزز مناحي الحياة كافة، حيث ركز جلالته على عنصر الشباب بوصفه العنصر الأهم في قيادة العملية التنموية، وتمثل ذلك جليّا?في إطلاق المبادرات الملكية، ووضع الفلسفة الخاصة بالمراحل المختلفة في عملية التنمية بعامة، سواء أكانت سياسية، أم اقتصادية، أم اجتماعية، وكان آخرها تحديث المنظومة السياسية، والاقتصادية، والإدارية ومن مخرجاتها الانتخابات النيابية القادمة للمجلس العشرين في 10/9/2024. كل ذلك وأكثر جعل من الإنجاز، والإبداع الأردني هو المرجع الأساسي في عملية التحديث والتطوير.
تأتي هذا العام الذكرى الثامنة والسبعون ليوم الاستقلال، الذي صنعه الغرّ الميامين من بني هاشم، في ظل ظروف حساسة، ودقيقة على الأصعدة كافة تمرّ بها الأمة العربية عموما، وفلسطين خاصة في ظل الحرب المستعرة على غزة منذ السابع من أكتوبر لعام 2023م والتي ما زالت مستمرة، وخلفت وراءها (100000) مئة ألف بين شهيد، أو مصاب، أو مفقود جلهم من الأطفال، والنساء، وتدمير للمنازل، وتشريد لسكان قطاع غزة وحصرهم في مساحة صغيرة بمدينة رفح. ومنذ بداية الحرب، قام جلالة الملك عبد الله الثاني بجولات دولية لعواصم القرار السياسي في العالم? بالإضافة إلى حضور قمم عربية، وإجراء اتصالات دولية، ولقاءات مكثفة مع وسائل الإعلام الغربية ومسؤولين أممين من أجل وقف إطلاق نار في غزة يؤدي إلى السلام العادل، والشامل؛ وفقا لحل الدولتين، وكذلك إيصال المساعدات لأهالي القطاع، حيث أشرف الملك عبد الله بنفسه على هذه المساعدات لضمان إيصالها، يعضده في ذلك وليّ عهده سموّ الأمير الحسين، كما تأتي هذه المناسبة في ظل مواجهة تحديات استثنائية يمر بها الأردن، أبرزها التحدي الاقتصادي والأمني، فهناك حرب عصابات مستعرة على حدوده الشمالية لتهريب المخدرات والأسلحة ومحاولة زعزعة?استقرار الأردن، وأمنه من قبل مجموعات مدعومة من بعض الدول، حيث يقوم الجيش الأردني، والأجهزة الأمنية بالذود عن الوطن وأمنه ويقدمون تضحيات كبيرة؛ ليستمر هذا الوطن ويصنع المجد والتاريخ الزاخر، ومهما كانت هذه الظروف فإننا على ثقة بقيادتنا الهاشمية الحكيمة على تجاوز هذه الأزمات وتخطيها بكل عزم وإصرار. فالقيادة الهاشمية هي صاحبة الشرعية التاريخية، والدينية والدستورية، وللقدس مكانة كبيرة ومهمة في وجدان جلالة الملك، الذي حرص كل الحرص على المحافظة على المقدسات الإسلامية في الأراضي المحتلة، وهو صاحب الوصاية عليها شاء?من شاء، وأبى من أبى.
إنّ مجمل القول محطّات، ومفاصل كثيرة، تؤكد أنّ جلالة الملك عبد الله الثاني ومنذ توليه سلطاته الدستورية، قام بالعمل الجاد، والسعي المتواصل لحل القضايا التي تواجه الأردن والأمة العربية على حد سواء، فكان محط أنظار قادة العالم، ومثالا يحتذى به، فرؤية جلالته السديدة التي كانت وما زالت البوصلة التي تحدّد معالم الطريق، والنجم الهادي إلى برّ الأمان، تجعلنا نفخر بمسيرة الإنجازات العظيمة الكبيرة التي تحققت في المجالات كافة بعهدي الملك الباني الحسين بن طلال، والملك المعزز عبد الله الثاني، وإننا نعقد العزم لمزيد من الت?ور والتقدم والإنجازات الكبيرة؛ ليكون الأردن أنموذجاً ومقصداً للجميع.
يصادف يوم الاستقلال لهذا العام اليوبيل الفضي لتولي الملك سلطاته الدستورية، وما رافق هذه المناسبة العزيزة من لقاءات جمعت جلالته بأبناء شعبه الوفيّ في المحافظات، والبوادي، والمخيمات، ليطلع على احتياجات شعبه، ويفتتح مشاريع ومؤسسات خدمية متعددة، وتقليد أشخاص ومؤسسات ميدالية اليوبيل الفضي تقديرا لتميزهم وإنجازاتهم، إضافة لما تم إنجازه خلال الخمسة وعشرين سنة في عهد جلالته الميمون، ما كان له الأثر الكبير في نفوس أبنائه، والتفافهم حول القيادة الهاشمية، كما كان رفقاء السلاح نشامى القوات المسلحة الأردنية والأجهزة ال?منية محط اهتمام جلالته ورعايته على الدوام، فهم سياج الوطن ودرعه، وما يوليه لهم من عناية ومتابعة لشؤونهم من حيث تدريبهم، وتأهيلهم، وتعزيز قدراتهم وكفاياتهم، إضافة الى دعمهم بكل الوسائل الممكنة.
وعلينا، نحنُ الأردنيين، أن نرص الصفوف؛ لنكون صفا واحدا قويا وصلبا قادرا على الوقوف جنبا إلى جنب مع قيادتنا الهاشمية، لنصل معا ونحقّق الأهداف الوطنية المشروعة، ونتجاوز التحديات بهمة عالية، وهذا لن يتأتى إلا بالعمل الدؤوب المخلص، والمضي قدُما لبناء وطننا الحبيب.
فالاحتفال بالأعياد الوطنية يعدّ ضرورة قومية، ووطنية لتنشيط الذاكرة الوطنية، وترسيخ الانتماء والولاء للوطن وقائد الوطن، وتأكيد هويتنا الوطنية، وتعزيز لحمتنا الوطنية من أجل أن يبقى وطننا الغالي قلعة عصيّة، تتحطّم عليها كل المؤامرات، وواحة أمْن وأمان، واستقرارا دائما، وملاذا آمنا لكل أبناء الأمة؛ ليبقى الأردن حرّا تتحطم على صخرته كل الدسائس التي تُحاك ضدّه، وضِدّ أمتنا العربية.
حمى الله وطننا الغالي، وشعبنا العظيم، وأدام الله علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار، ودوام التقدم والازدهار، وحمى حامي الاستقلال عميد آل البيت الأطهار جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المفدّى.