كان صديقنا يثير الغرابة والدهشة ، عندما كان يزورنا قبل عشر سنوات ، يمتنع عن أكل الفواكه والخضراوات والطعام الذي أضعه أمامه ، وحتى أنه في بعض الأحيان لا يتناول الشاي ولا حتى القهوة ، كنت أشعر بحيرة كبيرة من تصرفه هذا ، فقد كان يتذرع بأنه شبعان، وأنه لا يحب تناول الفواكة والخضراوات ، حتى أنه بعض المرات يشعر بالغضب عندما أقوم بالإلحاح عليه ، و عندما كنا نذهب برفقته لزيارة قريبه أو صديق أو مريض يتناول القليل من الفواكة والخضروات ويتناول الشاي ، وبعض الأحيان الطعام ، وقتها لم أكن أفهم مغزى امتناعه عن تناول الطعام و الفواكه والخضروات وغيرها عند زيارتي .
كان المقربون مني ينتقدوني قائلين ": شكلك بتذمر أمامه أو تتحدث بكلام أغضبه " .فأرد عليهم قائلاً :" لم يسبق لي أن تذمرت أمامه أو تحدثت بكلام يغضبه ، حيث لم يسبق لي أن تحدثت للناس عن وضعي المعيشي الصعب إلا بعد انتهاء تلك السنوات، وقمت بالحديث عن ذلك في مقالات نشرتها لكم مؤخراً .
دأب صديقنا باستمرار خلال تلك السنوات عندما أدعوه لزيارتنا لكل مناسبة بالتذرع بالمرض ، وتارة أخرى بالتوفير قائلا :" لعلك تنستر مع ضيوفك فأنا لست ضيفا، ظرفك الإقتصادي صعب؛ فوجودي يأخذ حيزا، وسوف أسبب لك الإحراج أمامهم، على حد تعبيره .
فقد عرفته يحب البساطة كثيرًا ، وعدم التكلف حتى أنه مؤخرًا في أحد المرات لبى دعوتي له عندما علم بسداد ديون البيت و تحسن وضعي المعيشي ، واستغربت زوجتي لعدم الإهتمام بإكرامه كما أفعل كل مرة مع الأصدقاء، فقلت لها:" لو كان يعلم أنني سوف أقوم بعمل وليمة له لرفض القدوم كما يفعل في كل مرة ، عندما قلت له سوف تأكل من طعامنا فلبّى الدعوة دون تردد " ، فقد تناول القليل من الرز وقطعة دجاج صغيرة ، و عندما ألحت عليه يغضب ويقول :" لقد اكتفيت لا تلح يا يوسف " وكأنه يريد إرسال رسالة في ذلك الوقت و لكنه لم يفصح عنها .
لقد علمت متأخراً بعد كل هذه السنوات أن الرجل يوفر الطعام و الفواكة لأبنائي ؛ لأنه يعلم في ذلك الوقت أن زوجتي لا تعمل وأن ما يتبقى من راتبي الشهري فقط (٩٠) دينارًا بسبب شرائي لبيت قديم، مما ترتب على شرائه دفع مبالغ شهرية للبنك ، وكذلك لبعض المقربين الذين استدنت منهم (٣) الآف دينار لعمل الصيانة للبيت، كما علمت لاحقا أنه يريد إرسال رسالة، و هي أن الكرم لا يكون بالرسميات على حساب العائلة والأولاد والزوج يعيش حالة من الفقر والعوز .
الغريب العجيب أنه دأب في تلك الأعوام الماضية على تفقدنا بالطعام وغيره ، ويأتي لنا باللحم الطازج ويقول :" أنت كثير العزائم للناس زيدهن واعزم عليهن" .
أيها الإخوة والأخوات يتضح لنا ما بين السطور بأن صديقنا لا يحب الأكل والشرب عند الفقير والمديون، ولا عند من له طلبة في الجامعة ممن هم فقراء ، وهذه رسالة قوية للجميع بالشعور مع الفقراء والمحتاجين قُبيل عيد الأضحى المبارك .
أسأل الله أن يحفظه، ويديم عليه الصحة والعافية ،وأن يجزيه و زوجته خير الجزاء والثواب .