نابولي هي ثالث أكبر مدن إيطاليا، تقع في جنوب البلاد، على ساحل البحر الأبيض المتوسط. نابولي هي عاصمة إقليم كامبانيا ومقاطعة نابولي. يبلغ سكان المدينة حوالي مليون نسمة، وهي أكبر مدن جنوب إيطاليا وبالقرب منها يقع بركان فيزوف.
صنفها اليونسكو في قائمة التراث العالمي. نابولي تعتبر مدينة سياحية.
من معالمها مدينة بومبي الأثرية (بالإيطالية: Pompeii) والكنائس القديمة والقصر الملكي وجزيرتي كابري وإسكيا المجاورتين.
كما يوجد بها نادي نابولي الرياضي الذي سبق أن تعاقد مع اللاعب دييغو أرماندو مارادونا على مدى بضعة أعوام في الثمانينات الميلادية.
كما أن نابولي كانت ضمن أراضي الدولة العثمانية لمدة قصيرة.
النشأة اليونانية والاستيلاء الروماني
سكن البشر في نابولي منذ العصر الحجري الحديث. أُقِيمت أولى المستوطنات الإغريقية في منطقة نابولي خلال الألفية الثانية قبل الميلاد.
وأسس البحارة القادمين من جزيرة رودس اليونانية في القرن التاسع قبل الميلاد ميناءً تجارياً صغيراً على ما كان حينها جزيرة ميغارايد أطلقوا عليه اسم «بارثينوبي» (بالإغريقية: Παρθενόπη، وتعني «العيون النقية» في إشارةٍ إلى إحدى كائنات السيرينا في الميثولوجيا الإغريقية). وتوسعت هذه المستوطنة مع مرور الزمن وشمِلت بحلول القرن الثامن قبل الميلاد على جبل إيشيا. وأقيمت منطقة نابوليس (Νεάπολις) الحضرية الجديدة على أحد السهول في القرن السادس قبل الميلاد، لتصبح في نهاية المطاف أحد المدن الرئيسية في ماجنا غراسيا.
شهدت المدينة نمواً سريعاً نتيجة التأثير الذي فرضته دولة مدينة سرقوسة الإغريقية القوية عليها آنذاك، وشكّلت تحالفاً مع الجمهورية الرومانية لمواجهة قرطاجة. استولى السامنيومون خلال الحروب السامنية على المدينة التي أضحت مركزاً تجارياً حيوياً.
وما لبث أن استطاع الرومان السيطرة على المدينة منهم وجعلوها مستعمرة رومانية. صمدت جدران المدينة المحيطة بنابولي أمام القوات القرطاجية بقيادة حنبعل خلال الحروب البونيقية.
مجَّد الرومان نابولي كثيراً وعدّوها نموذجاً مثالياً عن الحضارة الهلنستية.
حافظ أهل نابولي خلال الحقبة الرومانية على الملامح الهلنستية من لغة يونانية وعادات وطبائع، بينما توسعت المدينة فشيدت فيها الفيلات والقنوات والحمامات العامة.
وبُنيت معالم مثل معبد ديوسكوري فيها، وكانت المدينة وجهةً لكثيرٍ من الأباطرة الذين اتخذوها مقصداً لقضاء عطلاتهم ومنهم كلوديوس وتيبيريوس. تلقى فيرجيل واضع ملحمة «الإنيادة» الشعرية جزءاً من تعليمه في المدينة، وأقام لاحقاً في إحدى المناطق المحيطة بها. ودخلت المسيحية خلال تلك الفترة إلى نابولي؛ حيث يُقال أن الحواريان بطرس وبولس كانا قد بشرا في المدينة.
واستشهد القديس يانواريوس في نابولي خلال القرن الرابع ميلادي، وهو الذي أصبح القديس الشفيع لنابولي. قام الملك الجرماني أودواكر بنفي رومولوس أوغستولوس وهو آخر أباطرة الإمبراطورية الرومانية الغربية إلى نابولي في القرن الخامس ميلادي.
سيطر القوط الشرقيون وهم أحد الشعوب الجرمانية على نابولي وألحقوها بمملكة القوط الشرقيين عقب انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية. واستطاع القائد العسكري البيزنطي بيليساريوس السيطرة على نابولي عام 536 بعد دخوله المدينة عبر قناةٍ للمياه.
سيطر الملك توتيلا على المدينة لفترة وجيزة عام 543 خلال الحروب القوطية، ولكن تمكَّن البيزنطيون من بسط سيطرتهم على المنطقة بعد انتصارهم على القوط الشرقيين في معركة مونس لاكتاريوس التي دارت رحاها على منحدرات جبل فيزوف. وتُوقِعَ من نابولي أن تبقى على تواصل مع إكسرخسية رافينا التي كانت مركز الحكم البيزنطي في شبه الجزيرة الإيطالية.
تأسست دوقية نابولي بعد سقوط الإكسارخوس، ومع ذلك فقد حافظت ثقافة نابولي اليونانية الرومانية على كيانها وحضورها، وحولت ولاءها في نهاية المطاف من القسطنطينية إلى روما في عهد الدوق ستيفانو الثاني مما وضعها تخضع السيادة البابوية بحلول عام 763م.
تميزت الفترة الممتدة من 818 حتى 832 بالعلاقة المضطربة مع الإمبراطور البيزنطي، وترافق هذا مع ظهور العديد من المدَّعين المحليين الذين تناحروا لاستعلاء العرش الدوقي لنابولي. عُيّن الدوق ثيوكتيستوس دون الحصول على موافقة إمبراطورية، وأُلغِي تعيينه فيما بعد وحلَّ ثيودور الثالث محله. ولكنه لم يلقى ترحيباً شعبياً، فطارده عامة الناس الساخطة عليه حتى خارج المدينة، وانتخبوا ستيفانو الثالث، وهو رجل قام بصك العملات النقدية باسمه عوضاً عن اسم الإمبراطور البيزنطي. نالت نابولي استقلالها الكامل خلال مستهل القرن التاسع ميلادي. تعرضت المدينة للسلب والنهب على يد الساراكينوس خلال خمسينيات القرن الثامن ميلادي.
وقعت الدوقية تحت حكم اللومبارديين المباشر لفترة وجيزة من الزمن بعد استيلاء باندولف الرابع من إمارة كابوا عليها، فالإمارة أحد الخصوم القدماء لنابولي، ولكن لم يكن نظامها قادراً على الصمود سوى ثلاثة سنوات قبل استعادة حكم الدوقات المتأثرين بالرومان والإغريق. بدأت نابولي بحلول القرن الحادي عشر بجلب مرتزقة من النورمان وتوظيفهم لمحاربة خصومهم، حيثُ قام دوق نابولي سرجيوس الرابع بتكليف رينولف درينغوت بشن حرب على إمارة كابوا نيابةً عنه.
فرض النورمان تأثير كبير في إيطاليا بحلول عام 1137، فتحكموا بدوقيات وإمارات كانت في السابق متمتعة باستقلالها ومثالٌ عليها: كابوا وبينيفينتو وساليرنو وأمالفي وسورينتو وجيتا. وحصل في هذا السنة بالذات أن وقعت آخر دوقية مستقلة في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة الإيطالية تحت حكم النورمان ألا وهي دوقية نابولي، فأرغم آخر دوقاتها سرجيوس السابع على الاستسلام لروجر الثاني الذي أعلن نفسه ملكاً على صقلية قبل سبعة سنوات من ذلك.
وهكذا ضُمت نابولي إلى مملكة صقلية التي اتخذت من باليرمو عاصمةً لها.