بما أن شخوص القصة انتقلوا إلى رحمة الله، نقصُّ عليكم هذه الحادثة التي وقعت قبل (٢٥) سنة .
وتتلخص " لي صديق من محافظة أخرى زاملته في أول أيام دراستي الجامعية قبل (٢٥) سنة، حيث كان يغادر يومياً الجامعة إلى أهله لأنه وحيد والديه الذين يبلغان في العقد السبعين ، فقد أنجباه متأخراً بعد وفاة شقيقته في صغرها ، و في السنة الرابعة و قبل تخرجه بأشهر تزوج بفتاة يتيمة بناءً على رغبة والديه ؛ لأنه وحيد ويريدان رؤية أحفادهما قبل وفاتهما .
كان يتصل بي باستمرار بعد تخرجه، ويشكو لي طبع زوجته السيء معه ومع والديه رغم أن زواجهما لم يمضِ عليه سنة ، وكنت في كل مرة أدعوه بالصبر على زوجته لأن بعض النساء يتغيرن للأحسن بعد الإنجاب ، بعدها بثلاث سنوات اتصل بي وكنت وقتها في بداية زواجي قائلا :" إن زوجته حامل، و قد ازدادت عداوة تجاهي وتجاه والديّ دون سبب رغم أن والديّ يحترمانها خاصة لأنها يتيمة الأب والأم ، وقتها أقول له :" لعل هذا بسبب الوحام، يا صديقي ، وتذرعتُ له أن زوجتي هكذا، وبعض الزوجات يفعلن ذلك بسبب الوحام حتى يصبر عليها، ولعلها تتغير بعد الإنجاب ودعوته بالصبر عليها ، وأن زوجته سوف تتغير للأحسن .
بعدما أنجبت ولدا له تغير الحال بالنسبة للزوج أصبحت تحترمه قليلا ، بينما زادت عداوتها لوالديه ،و كنت أقول له اصبر يا صديقي سوف تتغير للأحسن ما زال الوحام يلازم زوجتك عندها اقتنع بحديثي .
وبعد سنة اتصل بي في ساعة متأخرة من الليل غاضباً قائلاً :" لقد خدعتني يا جاهل!!!!! في كل مرة اتصل بك تضحك عليّ عندما قلت أن سوء طبع زوجتي وعداوتها بسبب الوحام، إن زوجتي أصبحت شيطانة على هيئة إمرأة ،وازدادت عداوة لوالديَّ ،وبدأت تشتمهما وتطردهما من البيت عند زيارة حفيدهما حتى أنها تمنعهما من رؤيته أو أن أذهب بابني لوالدي لرؤيته ؛ مما تسبب في بكاء والديَّ في كل مرة ، سوف أبقى أدعو عليك وأتحسب لأنني الآن لا أستطيع تطليقها بسبب إنجابها للولد ؛ ولأن والديّ يغضبان عندما أتحدث أمامهما عن الطلاق ، وأن والديّ يقولان أهم شيء أنها معك جيدة ليس بالضرورة احترامنا".
وقتها أغلق التلفون في وجهي بعد أن أسمعني كلاماً قاسياً ، وقد سمعت زوجتي كلامه وشتمه لي ، فتضايقت، وقالت :" لقد انخدعت فيك يا يوسف!!!!!! لماذا تتدخل في الأمور الخاصة بين الناس ؟!! من أنت حتى تقدم النصيحة بهذه الأمور؟! تصرفك زاد عن حده ، إذا بتكررها سوف أحدّث والدك عن تصرفاتك، وقتها كان والدي على قيد الحياة ، عندها التزمت الصمت و هي تتحدث، فلقد سمعت صديقي وهو يشتمني . بعدها حاولت أوضح لها الصورة أنه هو الذي كان يتحدث معي ويطلب النصيحة ، فقالت :" ما بهمني حديثك وتبريرك..... فلا تعيدها مرة أخرى ،لقد أخرجتني عن طوري .
وبعد شهر ، اتصل بي عدة مرات فأغلقت الهاتف في وجهه ، وقمت بحظره، واتصل بي من تلفون آخر، وبدأ يستسمح ويعتذر عن تصرفه، طالباً مني المساعدة لأنني على علم بظروفه الخاصة ، فقلت له :" يا صديقي، بعد موقفك السابق انقطعت العلاقة بيننا ، وبدأ يلحّ في الحديث وقال :" إن زوجته تحلم باستمرار بأن والديها المتوفيين يجلدانها بالسوت وتصحو مفزوعة من المنام :" فقلت له:" هل تغيرت تجاه والديك : فقال :" لا بل بقيت على حالها، وأصبحت أذهب بابني خلسة لوالديّ، فقد كنت أستغل ذهابي للسوق لكي أحلق شعره أو حتى أشتري الأغراض، و عندما يشاهدانه يبدآن بالبكاء الشديد حتى أنهما يقومان بتقبيل قدميه وجميع جسمه لأنه حفيدهما الوحيد ، ويغدقانه بالمال عند رؤيته . وعندما أصل البيت أخفي المال حتى لا تشك زوجتي بالمال وأن والديّ أعطاياه لابني . "
وقلت له : هل زوجتك قريبة منك؟ فقال: إنها في الغرفة الثانية، فقلت له :ضع السماعة الخارجية و عرّف علي بأنني مفسر أحلام ، وأول مرة تتصل بي ، ولا تشعرها بأنني أعلم ظروفكما الخاصة ، ونبهته بأنني سوف أغلق التلفون بعد تبويخها .
وتم ذلك بالفعل، وأول ما سألت عن حلمها، قمت بقول: حسبي الله عليك وأغلقت التلفون .
فاتصل بي قائلا: لم غضبت وتحسبت على زوجتي؟!! ، فقلت له: إن زوجتك تعمل عملا تغضب والديها في قبريهما ، وأن تفسير الحلم أن زوجتك مصيرها للنار ، فقلت لها بقول قاس: ما هو العمل السيء الذي تفعلينه، يا إمرأة ؟! فقالت :لا شيء!! فقلت لها كيف علاقتك بزوجك وبأقربائك؟ فقالت: جيدة ، وعندما شعرت بأنها تخفي وتتهرب من الإجابة ، فاجأتها و قلت:" كيف علاقتك بحماك وحماتك؟ فقالت: منقطعة عنهما ، فصحت بها بغضب واجتهدت لتفسير الحلم وقلت :" إن الحلم تفسيره أن والديك سوف يجلدانك يوم القيامة بسبب إساءتك لوالدي زوجك، وأن مصيرك النار إذا لم تتوبي إلى الله ، وقتها بكت وأنهيتُ حديثي مع زوجها وهي تسمع ذلك ،فقلت : إن حلم زوجتك مخيف جدا ، ويظهر من خلاله أنها امرأة غير صالحة وعاقة بوالديها في قبريهما، عليها بالتوبة قبل فوات الآوان، وأغلقتُ الهاتف .
بعدها بأسبوع تحدث معي و هو يضحك ويمتدحني ويقول :" لقد انقلبت زوجتي رأسا على عقب ، فقد نزلت على والديَّ بعد حديثك بيومين ،وهي تبكي وتحاول أن تقبل قدميهما، حيث تفاجآ من فعلها وتغيرها بهذا الشكل ، وأضاف أنها بدأت تدعوهما باستمرار لزيارتهما لتناول الغذاء وتارة العشاء ورؤية حفيدهما.
يا يوسف ،والديّ في حالة صدمة وذهول لتغير موقفها معهما بهذه الصورة الطيبة ، فقصصت عليهما حديثك في تفسير الحلم لزوجتي " فقلت له لا تخرب شغلنا وتعبنا عليك بالتكتم ، فقال:" لقد حزنت على والديَّ وهما يتلهفان لسماع سبب تغيرها نحو الأفضل، فقصصت عليهما القصة .
وبعد ذلك ، قال بأن والدي يرغب بالحديث معك ليشكرك ،فقلت له:" لا تحرجني يا صديقي " فقال أنه يلحّ للحديث معك؛ ليسأل عن عمرك وعشيرتك " وعندما تحدث معي سألني عن عمري مباشرة، فقلت له:" (٢٥) سنة "، فاستغرب وفهمت من كلامه أنه لم يصدق ، وبدأ يغدقني بالشكر والتقدير لوقوفي مع ابنه، وسألت والده عن عدم تصديقه لعمري، فقال :" إن ما صدر منك من مواقف تشعرك بأنك رجل في العقد الستين أو أكثر من ذلك رغم أن ابني أكد أنك درست معه، ولكن ما خرج منك من مواقف وحديثك لأبني خلال السنوات الماضية يدل على أن والدك( شيخ مصيّت بين العربان) في إشارة منه على رأي البدو ، فأجبته : إن والدي رجل بسيط جدا وفقير و غير متعلم ولا يترأس جاهات الصلح ولا حتى يحضر المناسبات و حتى الندوات والمؤتمرات ،ولكنه يحب الخير للناس وكريم رغم فقره .
فأجاب:" الله يحي البطن إلي جابك، والله يرحم والدتك التي ربتك هذه التربية "وقتها كانت والدتي متوفية ،وأنهى حديثه وهو يتمتم بحديث يصاحبه تأتأة من تأثر الرجل وبكائه .
فقلت لصديقي :ابتعد عن والدك أريدك بأمر ما ،وقلت له: بما أن العلاقة رجعت بين زوجتك ووالديك ،أريد منك أن تتوقف عن الاتصال بي ،لأنك في المرة الماضية تسببت لي بمشكلة مع زوجتي ، فقد ظهرتُ أمامها بأني جاهل وصغير ، فقال :" معاذ الله!!! أن تكون هكذا ،والله لو يعلم والديَّ عن ما قلته لك من إساءة سيغضبان عليّ، أرجوك يا أخي يوسف ،ورحمة والدتك سامحني وأخفي الأمر..قلت له :سامحتك شرط ألا تتصل بي إطلاقا ، فقد وعدت زوجتي بأن لا أتدخل في الأمور الخاصة بين الزوجين .
وبعد مدة ، أعلمني صديقي في رسالة على الواتس من رقم غريب بأن والده توفي، وبعدها بستة أشهر توفيت والدته ، وأن زوجته بكت عليهما بكاء شديداً، حتى أنها تقيم الولائم عن روحهما كل شهر من راتبها الخاص لأنها موظفة، وتقوم بزيارة قبريهما في كل مناسبة تزور وبقيت على هذا الحال حتى توفيت بعد إصابتها بمرض خبيث قبل سنتين . رحم الله الجميع رحمة واسعة .