منذ لحظة الإعلان عن نية إقامة حفل مهرجان جرش في شهر تموز المقبل، بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بالانفعالات والاتهامات ووصف المهرجان بالرقص على أشلاء أطفال غزة وغيرها من العبارات غير المناسبة.
أنا شخصياً لست من عشاق ولا رواد مهرجان جرش لأسباب خاصة بي.. وعلى رأي سيدة الغناء " العيب فيكم يا بحبايبكم ، اما المهرجان يا عيني عليه ، وليست شهادتي بل شهادة رواده وزواره.
في الحقيقة ما لمسته من خلال التعليقات والتهديد بالمقاطعة وغيرها من العبارات، وكأن الشعب الأردني في واد والدولة والحكومة في واد آخر، تحديداً بما يتعلق بالحرب على غزة... بالله عليكم أي دولة من دول الوطن العربي وقفت بجانب أهلنا وشعبنا في غزة كما وقف الأردن سواء على المستوى الدبلوماسي أو السياسي أو على المستوى الشعبي. حيث لم يهدأ جلالته منذ الحرب بالاتصالات واللقاءات للسعي لإيجاد حل ووقف دائم لهذا العدوان الغاشم، كذلك موقف جلالة الملكة رانيا وجرأتها في التحدث عن ما يدور من جرائم في غزة وإبادة جماعية وازدواجية المعايير في التعامل مع القوانيين والمواثيق الدولية، حتى وصل الأمر إلى استياء بعض المحطات الغربية من موقف جلالتها المشرف واتهامها بالمعاداة للسامية ، إضافة إلى موقف معالي وزير الخارجية أيمن الصفدي الحاد الذي خرج عن السياق الدبلوماسي أكثر من مرة ، واصفاً الحرب بالهمجية واللاإنسانية ، ولا أحد ينكر مخاطرة أفراد العائلة المالكة شخصياً بالإنزالات الجوية لتقديم الدعم والمعونات للشعب المنكوب في غزة بعد أن فرض الكيان المجرم حصارا خانقا لتجويع الشعب الصامد المثقل بالجراح والحصار والقتل، كذلك الكل يعلم عن مشاعر الحزن والإحباط الذي أصاب كل بيت أردني والتعبير عنه بالمبادرات والمظاهرات والمعونات المشرفة من أهلنا في حي الطفايلة والحديث يطول عما قدمه الأردن، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أننا شعب واحد وجسد واحد ، التاريخ مشترك والمستقبل واحد وبالتالي لا مزاودة على ذلك.
نأتي لموضوع المهرجان مدار بحثنا، ونية الحكومة إقامة الحفل، لعل الاحتفال يبشر بنصر قريب، ويكون رافدا لدعم الاقتصاد الوطني الذي أثُقل مؤخرا بالديون بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة والحرب الشرسة الهمجية على قطاع غزة، وبهذه المناسبة من قال ان الفن والثقافة ليست مقاومة، لماذا اختزل المهرجان بالرقص، اليس الشعر مقاومة ، اليس القلم والكلمة والرسم والنثر مقاومة.
والسؤال المهم، كم من شاعر قتله شعره ومن رسام قتله رسمه ومن ثائر قتله عنفوانه، وكم من الأغاني الوطنية تأجج المشاعر وتبث الروح الوطنية، كنـت أطرب في طفولتي عندما أسمع أنشودة " غلابة فتح. يا ثورتنا غلابه. مبروكة اليد الي تفجر دبابة. وحدنا الدم يا كرامة. وحدنا الدم وحدنا الدم. والشمل التم يا كرامة. والشمل التم الشمل التم، كم تبعث فيك الأمل أغاني عمر العبدالات ومحمد عساف " على المجوز ندبك ونطيح، وأغنية وين الملايين، وموطني من دلال أبو آمنة التي الهبت مشاعر دولة طاهر المصري وانزلت دموعه.. والشواهد كثيرة، كم اتشوق دوما لسماع فرقة العاشقين في أنشودة " من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي جازي عليهم يا شعبي جازي المندوب السامي وربعه عموما؛ حتى لا تخونني ذاكرتي في نسيان ظلم الاستعمار والقهر الذي مارسه الانجليز بحق شعبنا الفلسطيني وما زلنا نعاني من مخلفاته بزرع السرطان الصهيوني.
المقاومة لها اشكالها وأبطالها ورموزها، وكل يقاوم في مجاله وامكانياته، كم أبدع الفنان كمال عريقات بلوحات فنية في غاية الروعة والجمال وهي تجسد الجدار العنصري الظالم، ومهرجان جرش إن تم في موعدة حتما سيكون له بنكهة وطابعا مختلفا عن كل السنين الماضية..