تتلخص القصة حتى لا نطيل عليكم في أنني قبل ثماني سنوات قررت في نفسي أن أضحي عن والدتي - رحمها الله - بعدما حلمت وأنا أشتري لها أضحية، فقد تكفلت والدتي بدراستي الجامعية كاملة بعدما كانت تتقشف و تحرم نفسها الملابس، وتقوم على رعاية أربعة من الأغنام حتى تتكفل
بمصاريف الجامعة والسكن وغيره ، كما كانت تجمع ما تحصل عليه في العيدين من هدايا وإكراميات من الأقارب وتعطيه لي على شكل مصروف أسبوعي ، حتى أنها قالت فيما بعد للجميع بعد تحسن الوضع في السنة الثالثة بسبب تعيين إخوتي في وظائف :" لا أريد أحداً أن يساهم معي في دراسة يوسف أنا بتكفل في دراسته لوجه الله .
وكنت أقول لها سوف أضحي عنك كل سنة عندما أتعين ، وقتها تغضب وتقول :" لا يا ابني ، لا تلزم نفسك سوف يمر عليك أيام عصيبة لا تقدر أن تعيل أسرتك ، ولا يوجد لك بيت ولا أرض ، لا تضغط على نفسك و لا على أسرتك ، فأنت تحتاج لكي تتزوج وتفتح بيت لتكاليف من ذهب وأثاث وغيره ، ينتظرك زمن قاسٍ جداً يا يوسف" وكأنها تستشعر خبايا و خفايا ما سوف يحدث معنا في المستقبل ، و كان استشعارها هو ما حدث بالفعل؛ فلقد تزوجتُ في ظل ظروف صعبة بعد وفاتها بشهر بناء على وصيتها، لأنني الوحيد من إخوتي ممن بقوا عندها قبل وفاتها .
كنت في تلك السنوات التي قررت أن أضحي عن والدتي أعيش حياة - الله بعلم فيها- حيث لا أستلم من راتبي إلا ٩٠ ديناراً ، و يقتطع من راتبي (٢٢٠) ديناراً للبنك ثمن بيت قديم اشتريته، و(١٠٠) دينار سداد لمبلغ (٣٠٠٠) دينار استقرضتها من المقربين لعمل صيانة للبيت الذي كان في حالة يرثى لها ، حيث كانت الرواتب في ذلك الوقت متدنية عكس ما هو عليه الآن والحمد لله .
وقتها جاء عيد الأضحى في منتصف الشهر، وكان لديّ التزامات وزوجتي لا تعمل آنذاك ، فشعرت بالحزن لعدم تمكني من شراء أضحية لوالدتي قبل العيد وحتى اليوم الرابع من العيد .
شاهدت زوجتي الحزن يسيطر عليَّ ، وعرفت السبب فقامت في اليوم الرابع من العيد بإعطائي ما حصلت عليه في أيام العيد، وكذلك ابني ما حصل عليه من عيديات حصل عليها من إخوتي ، فقد كانوا يعطونه عيدية شعوراً معنا كونهم يعلمون أننا في ضائقة مالية رغم أن المبلغ قليل.. فقد رفضتُ بشدة أخذ المبلغ ، وقلت لها:" بالله عليك هذا منطق أخذ عيديتك وعيدية الولد، قالت:" بتردهن يوم يتحسن الوضع، أنت يجب عليك أن تحاول أن تضحي قبل مغيب شمس هذا اليوم" ، فقلت لها" المبلغ لا يكفي " وبقينا في حيرة من أمرنا .
وعند ذهابي لصلاة العصر في اليوم الرابع من العيد أشار لي أحد المشايخ شفاه الله أتحفظ على ذكر أسمه لأنه مريض مازال على قيد الحياه ممن كنت ألتقيهم في المسجد بالصعود معه بالسيارة، فقلت :" إن شاء الله ما في شيء ، قال :" في شغلة بدي أستشيرك فيها" وعندما صعدت معه السيارة قام مباشرة بإعطائي مبلغ خمسين دينارا فرفضت بشدة رغم أنني في نفسي أرغب بأخذها، وقلت له :" أنا موظف ولست بحاجة لهذا المبلغ ، عندها أصر على أخذي للمبلغ و قال :" هذه من أناس خذ المبلغ فهو ليس مني "، مع أنني شعرت أنه أخفى أن المبلغ منه فأخذته وشكرته وذهبت للبيت مسرعاً والعرق يتصبب من كافة جسمي، وقلت لزوجتي" ربنا أكرمنا من أحد المشايخ بباقي المبلغ وعندما جمعنا ما لدينا أصبح (١٢٠) ديناراً وكانت الأضحية في ذلك الوقت من (١٤٠ )إلى( ٢٠٠ )دينارا .
ذهبت مسرعاً إلى مكان الأضحية في السوق و قلت له:" أريد أضحية على عجل قبل فوات الآوان بقي القليل من الساعات على غياب شمس اليوم الرابع ، وكان البائع يستغرب مني هذا العمل، وقال :" بقي مجموعة من الخرفان ثمن الواحد (١٣٠) ديناراً في المزرعة وأنت وحظك:، فأقسمت أن ليس لدي إلا (١٢٠) دينارا وقتها وافق وقال:" معك سيارة" قلت:" لا والله جئتك مشيا حتى أوفر أجرة التاكسي هذا ما جمعناه" فابتسم وقال :" اركب معي بسرعة في السيارة حتى نلحق ونذهب للمزرعة وكان من الجالية المصرية في ذلك الوقت، وعندما وصلنا المزرعة قام باختيار أضحية لنا بناءٍ على طلبي ، فوجد خروفا مناسبا وقام مباشرة بذبحه حتى لا يسرقنا الوقت، فقد كان ينظر للشمس قبل أن تغيب وهو يذبح الأضحية كان يقول :" سبحان الله هذه الأضحية فيها لحم أكثر من التي بعناها فمعظم التي بيعت قطعت (١٧) كيلو ، بينما أنت (٢٣) كيلو نصيبك يا أستاذ ، كنت أشعر بسعادة غامرة وكأنني ملكت الدنيا، وقام بعدها بتوصيلي للبيت في سيارته واشترى لي عصيرا بعدما صدم وذهل من فعلي تجاه والدتي ، فقمت على الفور بتوزيعها للفقراء جميعها من شدة فرحتي وأنا أشكر الله على نعمته وتوفر مبلغ الأضحية في اليوم الرابع قبل مغيب الشمس .
إخواني المكرمين وأخواتي المكرمات على مواقع التواصل الإجتماعي هذه رسالة لنا بتقدير وتعظيم شأن الوالدين وبرهما بعد مماتهما وتقديم الأضحية عنهما بعد وفاتهما قدر المستطاع .