كانَت تطبع الحياة بِطابِع مِن الجَمال رُغمَ بَساطَة الواقِع ..
فعلاً لم يكن هناك فقراء في عالمنا!
وأتذكر عبارة كان يرددها والدي: مسكين ، فقير ، لا يملك إلا المال!
الجَميع يَلبِسون لِباساً مُتَشبِهاً لَم يَكُن في عالَمِنا مَن يَتَباهى بالماركات أو غَلاء الأشياء .. الحِوار كانَ بَسيطاً حَولَ أي مَوضوع وحَسب ما يُقال في إذاعَة لَندَن أو مونتِكارلو حَيث كانَت الأكثَر استماعاً من والدي وأَصدِقائه ..
وأيّ حَديث لا يَخلو من ذِكر ( يافَا ) وفِلَسطين و ( شَجَر الجُمّيز) وذِكرَيات الهِجرة ..
الكُل يَسعى في مَناكِبِها .. طالِباً الرّزق الحَلال .. لا الثَّراء .. الكُل يَعمَل بِقوت يَومِه ..
وتُكمِل فَيروز ..
الشَّمس طِلعت والمُلك لله ... اجري لرزقَك خلّيها عَلى الله
ما تشيل قدّومك ... والعدّة ويلّا ...
أُدَندِنُ في سِرّي ..
و الجيب ما فيهش و لا مَليم
بس المَزاج رايق و سليم ... باب الأمَل بابك يا رحيم
الإيمان مُطلَق بأنَّ الرَّازِق هُوَ الله ( وأنَّ لَيسَ للإنسان إلّا ما سَعى ) .. المُتَكَبّر والذي يَغتَرُّ بِماله .. لا مَكانَ لَهُ في هذا العالَم النَّقي .. عالَم الكَدّ والجُهد .. والتَّعَب .. الرِزق الحَلال ..
الحِلوَة دي قامَت تِعجِن في البَدرِيَّة .. أتَذَكَّرُ رائحَة العَجين والخُبز الذي تَصنَعهُ أُمّي في الفُرن المَوجود خارِج المَنزِل حَيثُ تَملأ رائحة الخُبز المَكان وأحياناً ومِن باب الرّفاهية المُطلَقَة تَصنَع لَنا " خُبز بِزَيت وزَعتَر " وأحياناً وفي حال كانَ الوَضع المالي مُمتاز ووعال العال" خُبز وبَيض " عِندما نَشعُر أنَّنا مِنَ الأثرياء .. لا بل من علية القوم!
تَسَرَّبت رائحة الخُبز إلى مَكتَبي .. راجعت دَرَج الكَلحة في مخيلتي والابتسامة بِعيون النَّجارين والعُمَّال في تِلكَ المَنطِقة التي ما زالَت تُحافِظ على طابِع عَمَّاني جَميل ..
ووجدتُ نَفسي أُدَندِنُ
و الجيب ما فيهش و لا مَليم ... بس المَزاج رايق و سليم
باب الأمَل بابك يا رحيم ...
لا أدري لِماذا شَعرتُ بِسعادَة بِهذه الكَلِمات وبِرائحة الخُبز الافتراضي التي عبقت بالمكان ...
وتذكرت عبارة والدي : مسكين، فقير ، لا يملك إلا المال!