يرى خبراء غربيون، أن "الحرب في أوكرانيا التي بدأها الغرب، من أجل إدخال روسيا في عزلة دولية، فشلت أمام القدرات الروسية"، مؤكدين أن "تلك الحرب تمثل، في الوقت نفسه، أحد أعراض الغرب المريض الذي يفقد نفوذه شرقًا وغربًا"، على حد وصفهم.
ويعتبر الخبراء أن "الواقع السياسي في أوكرانيا قاسٍ، يعكس عجز الغرب الذي يجد نفسه وحيدًا تمامًا، حتى بجانب حلفائه في آسيا، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان واليابان، في مواجهة روسيا والصين".
ويقول يان ماركاند، أستاذ الفلسفة والتاريخ في جامعة السوربون الفرنسية، إن "الحرب بين الغرب وروسيا كانت بالأساس اقتصادية، لاسيما باستبعاد البنوك الروسية من منصة الرسائل المالية سويفت، إثر تحريض الولايات المتحدة إلى جانب متابعة منطقة اليورو، بهدف إلحاق الضرر بروسيا، وتحويلها إلى دولة معزولة".
ويضيف أن "هذه النيّة أعلنها الغرب بجرأة مباشرة بعد الحرب الروسية، على لسان الوزيرين الفرنسيين جان إيف لودريان وبرونو لومير، لكن هذه الاستراتيجية فشلت أمام القدرات الروسية".
فيما يطرح الباحث السياسي تساؤلًا حول إمكانية أن يتصور المرء أن أكبر دولة في العالم، مليئة بالموارد الدولية الأساسية من القمح والأسمدة واليورانيوم المخصب والنفط والغاز، مع التكنولوجيا النووية والعسكرية والفضائية التي يتم تصديرها، تجد نفسها "مخنوقة وغير قادرة على التجارة مع بقية العالم".
وبدوره، يرى الباحث السياسي أنه "على العكس من ذلك، فإن مثل هذه العقوبات تدفع روسيا لإنشاء نظام مالي بديل يفلت من النظام المالي الدولي".
ويشير الباحث السياسي الأمريكي ألكسيس كولومب، مؤلف كتاب "سويفت: من الحياد إلى السلاح الجيوسياسي إلى السياسة الخارجية"، إلى أنه "في أعقاب تهديدات عام 2014 بعد غزو شبه جزيرة القرم، أطلقت موسكو نظام نقل الرسائل المالية، واتخذت خطوات لتعزيز استقلالها المالي".
ويضيف: "العقوبات التي تهدف إلى استبعاد معظم البنوك الروسية الدولية الكبرى من سويفت هي جزء من استراتيجية العزلة الاقتصادية والمالية والتكنولوجية لروسيا عن العالم الغربي".
ومن جهة أخرى، يرى الباحث السياسي جان دي جلينياستي، مؤلف كتاب "هل تصبح أوروبا ضحية جانبية للغزو الروسي لأوكرانيا؟"، أن "روسيا ليست هي التي ستعاني من محاولة العزلة هذه، بل أوروبا هي التي ستعاني من سياستها الخاصة، وهي الخاسر الأكبر من تلك العقوبات".
ويؤكد أنه "بعد أزمة الرهن العقاري في عام 2008، والأزمة الصحية في عام 2020، وأخيرًا العقوبات على الطاقة الروسية، فإن المشتري.. مهما كان الثمن يخاطر بأن يصبح مكلفًا للغاية بالفعل، فيما تستعد أوروبا لمستقبل قاتم للغاية".
بينما يقول جان دي جلينياستي: "في ظل السوق الروسية، يشكل هذا المجال الرئيسي للتنمية الاقتصادية الذي يخسره الاتحاد الأوروبي لعقود قادمة".
وينوه أن "توقعات صندوق النقد الدولي هي أيضًا لصالح روسيا لعام 2024، والاقتصادات الأوروبية وصلت إلى حائط مسدود، نتيجة لزيادة أسعار الفائدة الرئيسية من أجل خفض التضخم، مما يعني إعادة الديون إلى دول لا تطاق".
ويتابع قائلًا: "ضخ مساعدات إضافية يعني تغذية حالات التضخم الهارب، فماذا يمكن أن يكون الحل الجديد في مثل هذه الحالة؟ ما المفاجأة الجديدة التي يخبئها لنا المفوضون وغيرهم من التكنوقراط في منطقة اليورو؟".
إلى ذلك، يقول جورج هنري سوتو في دراسته بعنوان "لا، الأزمة الأوكرانية ليست عودة إلى الحرب الباردة، لكنها لا تزال صراعًا بين الشرق والغرب" المنشورة في مجلة الدفاع الوطني الأمريكية، إن "أوروبا قد وضعت نفسها في اعتماد متناقض بشكل أساسي على الولايات المتحدة من أجل أمنها العسكري".
وعلى الصعيد العسكري، يضيف: "الاغتراب الأوروبي بدأ مع تأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي (1949) التي دعت إليها أوروبا الغربية".
ويتابع سوتو: "تبدو الحقائق الجيوسياسية الجديدة أكثر وضوحًا، فمن المؤكد أن الصين وروسيا تتقاربان، من آسيا إلى أمريكا اللاتينية عبر أفريقيا، وفي الشرق الأوسط، ترفض العديد من الدول إدانة روسيا.
ويلفت إلى أن "ادعاء بوتين بناء نظام دولي بديل مع الصين وشركاء آخرين لم يعد يبدو في حد ذاته غير قابل للتحقيق، وهذا السيناريو يبدو حتميًا"، وأنه "بجانب الحرب في أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة تخسر مواقعها في منطقة الشرق الأوسط".