ان الاتحار بالبشر تعتبر ظاهرة قديمة ، ثم اخذت هذه الظاهرة اساليب متعددة واشكالا مختلفة ، فكانت في السابق تمارس تجارة البشر بحرية دون قيود لاغراض العبودية و الاسترقاق ، حتى ظهرت الديانات السماوية والمواثيق الدولية والقوانين العالمية والاقليمية والنظم الحديثة التي حاربتها والتي اعتبرتها جرائم يعاقب عليها القانون . ذلك ما ورد في نصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 على انه " لا يجوز استرقاق او استعباد اي شخص ويحظر الاستعباد والاسترقاق وتجارة الرق بكافة اوضاعها " .
تعد جريمة الاتجار بالبشر من اخطر القضايا التي تواجه الانسان بكافة معانيها ، والتي تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الانسان لانها تمس كرامته وشرفه وصحته وحريته، واصبحنا ندرك بأن هناك بشرا يفترسون بشرا اخرين من اجل المال ، جاء هذا من خلال تغيرات اجتماعية واقتصادية وانفتاح اقتصادي وحرية التجارة وسهولة تنقل الاشخاص والبضائع بين الدول وتلاشي معظم حدود الدول ادى هذا الى تطور التنوع في الاجرام المنظم وتزايد الاتجار بالاشخاص وبالذات الاطفال والنساء والتي تعتبر جريمة الاتجار بالبشر وصمة عار على جبين البشرية جمعاء ، لان مرتكبيها ينظرون اليها بأنها سلع قابلة للبيع والشراء وهذا يمثل انتهاكا صارما لحقوق الانسان.
يقصد بتعبير الاتجار بالبشر حسب " بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر وخاصة النساء والاطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية " تجنيد الاشخاص او نقلهم او تنقلهم او ايواوًهم او استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من اشكال القسر او الاختطاف او الاحتيال او الخداع او استغلال السلطة او استغلال حالة استضعاف او اعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص اخر لفرض الاستغلال ، ويشمل الاستغلال كحد ادنى استغلال دعارة الغير او سائر اشكال الاستغلال الجنسي او السخرة او الخدمة قسرا او الاسترقاق او الممارسات الشبيهة بالرق او الاستعباد او نزع الاعضاء.
تتميز جريمة الاتجار بالبشر بعدة خصائص تجعلها بالمركز الثالث بعد الاتجار الدولي في الاسلحة والمخدرات مما يضعها من ضمن الجرائم العابرة للحدود ، وتعتبر الاتجار بالبشر هي جريمة منظمة كون هذه الجريمة يمارسها عصابات اجرامية احترفت الجريمة ومصدرا للدخل، وايضا تعتبر جريمة مركبة وتهدف الى تحقيق الربح وايضا هي جريمة واقعة على الاشخاص ، وتعتبر من الجرائم العمدية والتي تقوم على التحفظ على البشر ونقلهم واحتجازهم تمهيدا لبيعهم احياء بغرض التشغيل في اعمال قد تكون مشروعة او غير مشروعة.
ومن اهم اسباب انتشار جرائم الاتجار بالبشر كثيرة اهمها الوضع الاقتصادي السيىً والفقر والبطالة وقلة فرص العمل واختلال التركيبة السكانية وتفكك النظام العائلي وقلة الوعي الاجتماعي ، الاضطهاد والحروب والتمييز ضد الاقليات العرقية ودعم الجريمة المنظمة وازدياد شبكات الاجرام التي تسعى لاكبر عدد من الضحايا لتحقيق اكبر ربح مادي يمكن تحقيقه.
وعلى الرغم من ادراك العديد من الدول لخطورة جريمة الاتجار بالبشر على امن وسلامة مواطنيها ، وبالتالي التصدي لها من خلال اصدار التشريعات المحلية التي تحرم تلك التجارة الا ان الظاهرة تتفاقم وتكبر وتنتشر بصورة واسعة مستفيدة من التطور الذي حدث في وسائل الاتصال والمواصلات بين شعوب وبلدان العالم الذي دفع من الحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني التصدي لها في محاولة لمحاربتها والحد من آثارها المدمرة التي تسلب الانسان حياته على شعوب العالم.