تعذيب وحشي وحرمان من الطعام والدواء ومن أبسط الحقوق الإنسانية، وغيرها الكثير من الجرائم يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين، وخاصة من اعتقلهم في قطاع غزة خلال عدوانه المتواصل عليه منذ السابع من تشرين الأول الماضي، أسفرت عن استشهاد العشرات في انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واستهتار بكل المواثيق والمعاهدات الدولية، دون أي تحرك جدي من المجتمع الدولي لوقف انتهاكات الاحتلال التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.
شهادات الأسرى المفرج عنهم من القطاع صادمة ومروعة، كما منظر أجسادهم التي خسرت الكثير من وزنها، وجروحهم التي خلفها رصاص الاحتلال، أو حفرتها عميقاً قيوده على أيديهم وأرجلهم، وصحتهم المتدهورة التي تفضح كم التعذيب الذي تعرضوا له، حيث وصل الكثيرون منهم إلى ما تبقى في الخدمة من مشافي القطاع، بحال يرثى لها بين الحياة والموت، فيما تحدث البقية عن المعاملة المهينة للإنسانية التي تعرضوا لها في معتقلات الاحتلال، من التقييد وتعصيب الأعين لفترات طويلة إلى إجبارهم على التعري بالقوة وبشكل متكرر، إلى الصعق بالكهرباء والتجويع الممنهج، والحفر على أجسادهم بآلات حادة، والحرمان من النوم والاستحمام وتقديم العلاج، وإطلاق الكلاب الشرسة عليهم، والتعريض لدرجات حرارة منخفضة أو مرتفعة،فضلاً عن دعوة عدد من مسؤولي الاحتلال ومستوطنيه لمشاهدة عمليات التعذيب وغيرها الكثير من الانتهاكات الجسيمة.
50 أسيرا من قطاع غزة أفرجت عنهم سلطات الاحتلال صباح اليوم بينهم مدير مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية الذي قال: إن وضع الأسرى مأساوي للغاية، حيث يعيشون ظروفاً قاسية جداً لم يسبق لها مثيل منذ النكبة عام 1948، فالمعاناة شديدة والتعذيب يومي، فضلاً عن تقليل كميات الطعام والمياه، والحرمان من العلاج والدواء، بل إن طواقم الاحتلال الطبية تعتدي على الأسرى وهذا مخالف لكل القوانين الدولية والإنسانية، وهناك الكثير من الأسرى استشهدوا تحت التعذيب، فضلا عن انتشار الأمراض ما يهدد حياة من تبقى في الأسر.
رامي أبو مصطفى شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة اعتقلته قوات الاحتلال بعد إصابته في رفح، ووصل إلى عائلته ممزق الأحشاء وفاقداً للبصر وفق شقيقه الذي أكد أن رامي يعاني أساساً من اضطرابات عقلية لكن هذا لم يمنع الاحتلال من اعتقاله، مبيناً أنه عاد إلى القطاع في حالة صحية صعبة جداً وعلى لسانه جملة واحدة يرددها باستمرار "جنود الاحتلال أطلقوا النار علي”، حيث يعاني من إصابة بالرصاص في رجله وفي إحدى عينيه، وفقد البصر في عينيه الاثنتين جراء التعذيب في المعتقل، كما توجد كسور عديدة في جسده وآثار عمل جراحي في البطن وتمزق شديد في الأمعاء، مشيراً إلى أن حياة شقيقه في خطر ما لم يتمكن من السفر للعلاج خارج القطاع.
جرائم الاحتلال لم تتوقف عند هذا الحد حيث وثق المرصد الأورومتوسطي تعرض الأسرى للحقن بالإكراه بمواد مجهولة كما أكد سمير مرجان الأسير المفرج عنه في الـ 11 من حزيران الماضي في شهادته للمرصد قائلاً: اعتقلني الاحتلال في الـ 11 آذار من جنوب غرب غزة، وتم نقلي إلى مركز توقيف قبالة رفح لمدة شهرين ثم نقلت إلى معتقل "عسقلان ” حيث كنا نعذب يومياً بشكل وحشي من ضرب وإهانة، إضافة إلى استخدام الكلاب للهجوم علينا وتخويفنا واستخدام الكهرباء للتعذيب، موضحاً أنه شهد معاناة أسرى آخرين تردت حالتهم الصحية وأصيبوا بأمراض خطيرة دون أن يحصلوا على أي علاج، بل قامت قوات الاحتلال بإعطاء بعض الأسرى حقنا تحوي مواد مجهولة بالإكراه.
وفي إفادة أخرى بين الأسير المفرج عنه عمرو العكلوك أن الكثير من الأسرى استشهدوا تحت التعذيب، وكان جنود الاحتلال يضعون جثامينهم في أكياس بلاستيكية وينقلونها إلى أماكن مجهولة دون أن يعرف أحد شيئاًعن هويتهم، حيث يواصل الاحتلال ممارسة جريمة الإخفاء القسري بحق أسرى القطاع.
من الإخفاء القسري والتعذيب إلى استخدام جنود الاحتلال للأسرى دروعاً بشرية في غزة، حيث تناقلت وسائل إعلام مقاطع فيديو تظهر إجبار أسير على دخول نفق بعد ربطه بحبل وتثبيت كاميرا على جسده، وإجبار أسرى آخرين على ارتداء ملابس عسكرية أثناء استخدامهم دروعاً بشرية، ومقطعاً يظهر استخدام أسير جريح درعاً بشرياً، وإجباره على دخول منازل مدمرة في غزة تظهر فيه جثث شهداء ملقاة على الأرض في مدخل أحد المنازل، أما في الضفة الغربية فقد أظهرت مقاطع فيديو ربط أسير جريح على مقدمة آلية عسكرية للاحتلال خلال اقتحام مدينة جنين.
المقاومة الفلسطينية أكدت أن استخدام جيش الاحتلال النازي الأسرى الفلسطينيين دروعاً بشرية خلال عملياته الإرهابية في القطاع والضفة جريمة حرب مكتملة الأركان، تضاف إلى سجل الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى في معسكرات الاعتقال النازية، مطالبة المجتمع الدولي بإدانة هذه الجريمة ومحكمتي العدل والجنائية الدوليتين بإضافتها إلى ملف جرائم الحرب التي يحاكم عليها مسؤولو الاحتلال.
أكثر من 9460 أسيراً من الضفة الغربية والآلاف من أسرى القطاع يتعرضون لشتى أنواع التعذيب ويموتون ببطء في معتقلات الاحتلال، ضمن سياسة القتل الممنهج التي يتبعها الاحتلال بحقهم، وهو ما تؤكده دعوة الوزير في حكومة الاحتلال ايتمار بن غفير أمس إلى إعدام جميع الأسرى بقوله: "يجب إطلاق الرصاص على رؤوس الأسرى بدلاً من إعطائهم المزيد من الطعام”، في تصريحات تعكس حقيقة الاحتلال الذي يشن حرب إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني ولا يتحدث إلا بلغة القتل ومحاربة الوجود فلسطيني، ما يستدعي من المجتمع الدولي التحرك جدياً لحماية الأسرى والشعب الفلسطيني ووقف معاناته وحرب الإبادة الشاملة عليه، إضافة فرض عقوبات رادعة على "إسرائيل” وإلزام الدول الداعمة لها بوقف جميع أشكال الدعم السياسي والمالي والعسكري المقدمة إليها.وكالات