*بكر السباتين.. ما بينَ كلمةِ أبي عبيدة واغتيالِ نتنياهو، توجد شعرةُ رابين!
وأسئلة أخرى حول آخر تداعيات المشهدين الفلسطيني والإسرائيلي ورهاب العقد الثامن.
يبدو أن قلب نتنياهو النابض بالأحقاد قد يتوقف عن العمل، بفعل شعوره بالعجز إزاء الاعتراف بهزيمته في غزة، وكأنها تجرع للسّمّ الزعاف، هذا إذا لم تتدخل يدُ القدر بتعرضه لمحاولة اغتيال "محتملة" ويبدو أنها باتت تطل برأسها على المشهد الإسرائيلي الضبابي بعد أن استوت أسبابها الوجيهة.
ويعود ذلك لعدة أسباب يدركها الكبير والصغير في المجتمع الإسرائيلي غير المتجانس، وهي:
أولاً:- ما يتعرض له جيش الاحتلال الإسرائيلي من انتكاسات ميدانية في قطاع غزة، وتكبده جرّاء ذلك خسائر طائلة في الأرواح والمعدات والاقتصاد، إلى جانب عجزه عن تحقيق الأهداف التي أنيطت به منذ السابع من أكتوبر الماضي، والتي بدأت باجتثاث حماس وتهجير الفلسطينيين وتحرير الأسرى من "براثن" المقاومة، لتتوالى الصدمات على هذا الجيش الذي كسرت هيبته تباعاً، وهو يشهد حصاد إخفاقاته وما نجم عنها من تغييرٍ قسريٍّ للأهداف، في غضون التسعة أشهر الماضية، وصولاً إلى الاكتفاء بنصر وهمي، يقوم على المراوغة اليائسة حول مبادرة بايدن المتعلقة بصفقة تبادل الأسرى مع حماس، كفرصة أخيرة لا تعوض، مع علمه بأنها ستجيّر لصالح حماس التي ستحظى -كما يبدو- بالنصر الذي لن يتقبله نتنياهو .
والمصيبة بالنسبة للطرف الإسرائيلي، أن معظم المؤشرات تُجْمِعُ على أن حماس باتت تمتلك كل الأوراق الميدانية اللازمة، التي تخولها إلى السيطرة على الموقفيْن السياسي والأمني ما بعد الحرب على غزة، من خلال ما قاله أبو عبيدة مؤخراً في أنه تم تجنيد ألفي مقاتل لصالح كتائب القسام والفصائل الأخرى، إلى جانب انتظار أكثر من ألف مقاتل آخر ضمن قائمة الاحتياط، ربما لتوظيفهم في الأجهزة الأمنية اللازمة في المرحلة المقبلة؛ كي تُحْكِمَ حماسُ قبضَتَها على القطاع برمته بعد الحرب وبالتالي إفشال كل مخططات إخراج حماس من المعادلة.
وفي سياق متصل، تمكنت حماس بتعاظم كوادرها البشرية من قَطْعِ الطريقِ على الإعلام المتصهين، الذي دأب عبر أبواقه في الفضاء الرقمي، على شيطنتها، وذلك بكسب تأييد أبناء غزة الذين تعرضوا للإبادة من خلال ضمهم إلى صفوفها كمقاتلين، وقد ترسخ في قلوبهم الإيمان بالمقاومة وتعاظمت في قلوبهم المجروحة روحُ الانتقام من العدو الإسرائيلي الغاشم، بدلاً من تحويلهم إلى وقود كان من الممكن أن يستغله خصوم المقاومة ضدهم.. كمحاولات رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج الفاشلة، بالتنسيق مع أجهزة الأمن الإسرائيليية، من خلال تسليح العشائر غير الموالية لحماس، أو إدخال مئات العناصر إلى غزة لإثارة الفوضى لولا تدخل قوات الأمن لدى حماس التي تمكنت من وأد الفتنة.
ثانياً:- عزل الكيان الإسرائيلي عالمياً.. حيث شدد أبو عبيدة في كلمته الأخيرة على أن طوفان الأقصى "لم يكن بداية مقاومتنا لعدوان الاحتلال، بل كان انفجاراً في وجه جرائم العدو"، وأضاف قائلا "نطمئن مجاهدينا وشعبنا وأمتنا أن طوفان الأقصى من تلك المعارك التي لا تؤول إلا لتحولات كبيرة".
وقد صدق حدسُه.. فقد تحولت تجربة"غزة" إلى فكرة عالمية مُلْهِمَه، لا بل وأثرت في نتائج الانتخابات البريطانية لصالح حزب العمال، إلى جانب ما فعلته في الانتخابات الفرنسية لصالح اليسار، الذي وعد في حال نجاحه بتشكيل الحكومة الإئتلافية، بالاعتراف الفوري بفلسطين.
ليس هذا فحسب بل أن حرب الإبادة في غزة أججت الشارع الأوروبي، والجامعات في العالم، وأصبح لها تأثير نسبي على مواقف الناخبين الأمريكيين بشكل أو بآخر.
ويكفي أن تجربة غزة وما تتعرض له من حرب إبادة، عزلت "إسرائيل" على صعيد عالمي، وكبدتها خسائر قانونية ومعنوية بصدور قرارات إدانة من محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية بحق نتنياهو وغالانت، إلى جانب صدور قرار من مجلس الأمن بضرورة إيقاف الحرب على غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
وعلى صعيد العلاقات الدولية، فقد انتزعت غزة اعترافاً بفلسطين من قبل إيرلندا والنروج وإسبانيا.. إلى جانب استعداد دولتي: سلوفينيا ومالطا اتخاذ خطوة مماثلة، وهو ما اعْتُبِرَ ثغرةٌ في جدار الصدِّ الأوروبيِّ للحقوق الفلسطينية ولو بحدها الأدنى.
ثالثاً:- اشتعال وتيرة المقاومة المسلحة في الضفة الغربية المحتلة، وسحب البساط من تحت أقدام سلطة أوسلو.
هذا ما يستشف من وعيد أبي عبيدة للإسرائيليين في أن انتصار المقاومة الحتمي في غزة ما هو إلا مرحلة في حربِ تحريرٍ وجوديةٍ طويلةٍ تخوضها المقاومة، حيث ستأخذْ طريقها إلى الضفة الغربية بقوة، منوهاً في سياق الأوضاع هناك إلى أن "كابوس تحرك الضفة والقدس وأراضي ال48 المحتلة قادم لا محالة"، وأضاف أن "ما يجري من تصاعد مستمر للمقاومة في الضفة الغربية هو ردُّ وخيارُ شعبِنا في مواجهة الإبادة الممنهجة".
ولفت إلى أن "ردَّ شعبنا في أراضي عام 1948 على ما يتعرضون له قادم لا محالة وبأيدي أبناءِ شعبِنا الأبطال"، معتبرا أن نتيجة المقاومة الحتمية "ستكون النصر وهزيمة العدو والاحتلال" وأن وقود الثورة في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر سيكون محلياً في سياق تحرير فلسطين المرحليّ.
رابعاً:- التطور النوعي الميداني لهجمات المقاومة المظفرة، من حيث الدّفّقِ والفاعلية والتنسيق بين الفصائل في إطار غرفة العمليات المشتركة، تناغماً مع تَوَسُّعِ العمليات ضمن وحدة الساحات (حزب الله في الجبهة الشمالية، وأنصار الله في اليمن، والمقاومة الإسلامية في العراق) سواء كان ذلك بنصب الكمائن المركبة في كافة أنحاء القطاع، أو القيام بعمليات هجومية موفقة، كالتي نفذتها مؤخراً كتائب القسام بنجاح في الهجوم على مركز القيادة الإسرائيلية الميدانيّ في محور نستريم، وإيقاع عدد كبير من الإصابات ما بين قتيل وجريح، وتغطية انسحاب المقاتلين إلى قواعدهم بنجاح.
لكن جاهزية حماس من خلال قدرتها على التكيف مع المستجدات، قطعت الطريق على ما خُطِّطَ له في مؤتمر البحرين السري الذي انعقد في المنامة يوم 13 يونيو 2024 بوجود ضباط "إسرائيليين وأمريكيين وعرب"-صحف عبرية، الحرة-.
وقد أعلنت حماس في أكثر من مناسبة أن "مستقبل غزة شأن فلسطيني ولن تسمح بتمرير رؤية نتنياهو ضمن أي سياق".. والنتيجة واضحة.
خامساً:- تعاظم الشعور برهاب "زوال الكيان الإسرائيلي" وفق "لعنة العقد الثامن".
وقد ذكرهم بها أبو عبيدة في كلمة له عبر الجزيرة في 30 أكتوبر 2023 عقب طوفان الأقصى قائلاً: إنَّ "زمن انكسار الصهيونية قد بدأ ولعنة العقد الثامن ستحل عليهم وليرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرؤوا ذلك جيداً ولينتظروا أوان ذلتهم بفارغ الصبر".
إذْ يعاني الإسرائيليون من هذه العقد على كافة مستواياتهم وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق يهودا باراك، لأن المؤشرات الميدانية توحي بذلك.
إنه خوف وجودي اجتمع في عقل نتنياهو مع إحساسه المتنامي بالموت الذي يتربص به عن طريق خصومه، وهو ما قد يقوده إلى حتفه الطبيعي أو الانتحار كما حصل مع هتلر وفق ما تضمنته دعوات بعض خصومه ممن وصفوه بالخائن.
ناهيك عمّا ينتظره من نهاية قد لا تقل مأساويةً عن مصير رابين الذي اتهم بالخيانة لتوقيعه على معاهدة أوسلو، ما أدّى إلى اغتياله على يد اليمين المتطرف في الرابع من نوفمبر 1995.
حيث طغى رهاب الاغتيال إلى جانب الملاحقات القانونية بحقه، المحلية والدولية (الجنائية الدولية) على سلوكيات نتنياهو اليومية، حتى وهو يفتح أغلفة الطرود التي تصله تباعاً في إطار المراسلات اليومية، حيث قيل في أحد البرامج الإسرائيلية عبر الفضائيات الإسرائيلية، بأنه يستعين أحياناً بالحراس لفتح تلك الطرود،، حتى لا يفاجأ بطرد ملغوم.. وخاصة حينما يكون مصدرها القيادة العسكرية التي تناصبه العداء بسبب تفرده بالقرارات التي تشكل تهديداً وجودياً للكيان الإسرائيلي.
وذكر كالمان ليبسكيند، الكاتب اليمينيّ في موقع (ألا) أنّ "التحريض ضدّ نتنياهو يتزايد يومًا بعد يومٍ، ويصل إلى أبعادٍ مخيفةٍ، وأصعب بكلّ المقاييس ممّا كان عليه ضدّ رابين في ذلك الوقت، لعدة أسباب رئيسية:
أولها أنّ التحريض ضدّه يأتي من النخب.
والثاني أنّه لا يتم الإبلاغ عن التحريض ضدّه على الإطلاق.
حتى أنّ أيالا ميتسغر التي اختطفتها (حماس)، ظهرت واقفةً بمظاهرةٍ أمام منزل عائلة نتنياهو، وأعلنت أمام الجمهور أنّه إذا لم يعد جميع المختطفين، فإنّنا "ننتظره بحبلٍ معلّقٍ، لأنّ هذا ما يستحقه”، ما استدعى تصفيق الجمهور الغفير، فيما نشرت صحيفة (هآرتس) مقالاً ، بعنوان "نتنياهو عدونا الأكبر، وإزاحته واجبنا المقدس” يتضمن مادة تحريضية تفسر نفسها.
هذه الظروف التي يسودها الصمت، تذكر الإسرائيليين بما عاشته الدولة عشية اغتيال إسحاق رابين في 1995، وكلّها مؤشرات وفق مناصريه تؤكد أن حياة نتنياهو في خطر محدق.
الرهانات على اغتيال نتنياهو جادة فخصومه منزرعين في كل المواقع، وينتظر أحدهم إصدار الأوامر! فكيف ومتى يحدث ذلك! فنتنياهو رئيس منبوذ كحال الكيان الإسرائيلي المعزول على صعيد عالمي.