في مثلِ هذا اليومِ قبلَ 41 عامًا، استقبلتْ أسرتي ولادةَ بطلٍ أسميناهُ معاذ، وكان قدرُهُ أن يُسطّرَ اسمَهُ في سجلاتِ الشرفِ والتضحية، ليكونَ رمزًا للأجيالِ القادمةِ، قدوةً في الإخلاصِ والشجاعة.
كان قدومُهُ إلى عالمِنا يومًا مميزًا، ملأ قلوبَنا بالفرحةِ والغبطةِ والأمل، وكأنّهُ شعاعٌ من نورٍ أضاء دروبَ حياتِنا وأحيا فينا الطمأنينةَ والسعادة، وجلبَ معهُ بركةً عظيمة. امتلأ كلُّ شيءٍ بالحياةِ والحبِّ، وبدأنا نشعرُ بأنَّ الأيامَ القادمةَ ستحملُ لنا مزيدًا من الخيرِ والسعادة.
كبرَ معاذ واختارَ شرفَ الجنديةِ مهنةً له، وأصبح نسرًا أردنيًا يحملُ في قلبهِ كلَّ معاني حبِّ الوطنِ والتفاني في خدمته. كان يدركُ أنَّ الطيرانَ ليس مجردَ مهنةٍ، بل مسؤوليةً كبيرةً تجاهَ بلدهِ التي عشقَ وأحب.
ويشاءُ القدرُ في 31/3/2016، وهو في الثالثةِ والثلاثين من العمر، أن يختارَ له طريقًا آخرَ، طريقَ الأبطالِ الذينَ يقدمونَ أرواحَهم فداءً للوطنِ، فاصطفاهُ اللهُ شهيدًا لينزلهُ في الفردوسِ الأعلى بإذنهِ مع الأنبياءِ والصديقينَ والشهداءِ، وحسنَ أولئك رفيقًا.
حينَ تلقينا نبأَ استشهاده، شعرنا بأنَّ جزءًا من قلوبِنا قد رحلَ معهُ، ولكنَّنا وجدنا العزاءَ في سيرتِه العطرةِ، وفي أنَّهُ عاشَ بطلاً، وماتَ بطلاً، وأصبحَ ذكرى خالدةً في قلوبِنا وفي قلوبِ زملائهِ وكلِّ من عرفهُ من أبناءِ الوطنِ الشرفاء.
ولدي معاذ:
في ذكرى ميلادِك تتوهُ الكلماتُ في أعماقِ الحزنِ والاشتياقِ، كيف يمكنُ لقلوبٍ أن تحتفلَ بميلادِ ابنِها الذي ذهبَ وتركَ خلفهُ فراغًا لا يملؤهُ أحد؟
في هذه الذكرى، يا أبا هاشم، أشعرُ أنا ووالدتُك وإخوانُك وأخواتُك وزوجتُك وأولادُك ومحبوكَ بمزيجٍ من الحزنِ والامتنان. حزنٌ لأنَّنا افتقدنا شطرًا من أرواحِنا في يومٍ كان يجبُ أن نحتفلَ فيهِ بميلادِك، وامتنانٌ لأنَّكَ علمتنا معنى الحبِّ الحقيقيِّ والتضحيةِ والفداء.
كلُّنا نذكركَ بكلِّ فخرٍ واعتزازٍ يا ولدي... نذكركَ بابتسامتكَ، بشجاعتكَ، وبروحكَ التي لم تنطفئ رغمَ فراقِك، وستبقى ذكراكَ نجمًا يضيءُ سماءَ حياتِنا، ويشعُّ في قلوبِنا حبًا وحنينًا لا يخبو.
حضورُك كان بمثابةِ نورٍ يبددُ ظلماتِ الحياةِ، وغيابُك لم يكن سوى بالجسدِ، أمَّا روحُكَ فهي حاضرةٌ في كلِّ لحظةٍ، ترافقُنا وتملأ أيامَنا بالقوةِ والإصرار.
سنظلُّ نذكركَ دوماً بكلِّ حبٍّ ووفاءٍ، نستلهمُ من ذكراكَ القوةَ والعزيمةَ، ونجدُ في سيرتِك العطرةِ ما يعيننا على مواصلةِ الطريقِ، وستبقى في قلوبِنا، نروي قصتَك للأجيالِ القادمةِ بكلِّ فخرٍ واعتزازٍ لأنَّكَ تركتَ بصمةً لا تُمحى في حياتِنا مهما طالَ الزمنُ، وستظلُّ ذكراكَ حيةً تملأنا بالأملِ والصبر.
في ذكرى ميلادِك يا ولدي، تخنقُنا العبراتُ وتلتهبُ قلوبُنا بحرقةِ الفراق. فكيفَ لنا أن ننسى؟! وكيفَ يمكنُ للحنينِ أن يهدأ؟!
أترانا قد نسيناكَ؟ ... أترانا قد غفلنا عن مناجاةِ رسمِك؟ ... أترانا قد ابتسمنا من سويداءِ قلوبِنا في أي مناسبة؟ ... أترانا قد أغمضت جفونُنا يومًا في نومٍ عميق؟
لا هذا، ولا ذاك، ولا تلكَ، يا بني. ويقيني أنَّكَ تعلم حالَنا لأنَّكَ حيٌّ ترزقُ عندَ خالقِكَ.
.في القلبِ غصةٌ، يا مهجةَ الفؤاد، لا يعلمُها إلا اللهُ سبحانهُ وتعالى ولكننا مستسلمين لقضاءِ اللهِ وقدرهِ، يا شقيقَ الروحِ
سلامٌ على روحِكَ الطاهرةِ يا ولدي يوم ولدت وسلام على روحك يوم فاضت إلى بارئها
وأسأل الله أن تكونَ لنا شفيعًا يومَ اللقاءِ، وأن يجمعنا بكَ في عليين.