صفحة من الكتاب الجديد للمؤرخ المفكر د احمد عويدي العبادي ( أبو البشر ونمي ) نيروز خاص
عنوان الكتاب ( تاريخ الاردن وعشائره من 12000ق.م. - 2000م ) (457)اما حول اعدام الشيخ سطم بن فندي، فقد ذهب الشيخ فندي الفايز وأثنين من أولاده عام 1880 م هما : سطم وسطام، تلبية للدعوة إلى متصرف حوران الذي ألقى القبض عليهم وأودعهم السجن، فما هي إلا فترة قصيرة حتى قام الأتراك بإعدام سطم ابن فندي الذي كان مرافقا لوالده فندي لإرهاب والده الشيخ فندي ليخضع لشروط الاتراك،
(458)ولكن ردّ فعل فندي كان عميقا وتاريخياً وذكيا جدا، إذ قال للوالي التركي: كنت وولدي عبدان للسلطان وألان أصبح للسلطان عبد واحد. وهذه عبارة سياسية، إذ فهمها الأتراك أنها تقديم الموالاة والطاعة للسلطان وإن فندي يعتبر نفسه عبداً له رغم إعدام ولده، الأمر الذي جعل الأتراك يطلقون سراحه وسراح سطام، لسرورهم من إعلان الشيخ فندي أنه عبد للسلطان .
(459)أما حقيقة الكلمة إن الحياة في ظل الاحتلال التركي هي عبودية وأن الإعدام هو تحرير للعبيد، وأن الحياة تحت حكم الاتراك هي عبودية للأحرار. وهذا ما نرى ان الشيخ فندي قد قصده مستخدما التورية التي لا يفهمها الاعاجم ونفهمها نحن العرب. اذ ان ظاهر النص مخالف لباطنه ومعناه الحقيقي، ولكنها كلمات انقذت الشيخ وابنه الثاني وهو سطام، وعادوا الى عربانهم سالمين .
(460)كان فندي على خلاف مع زعامات بني صخر من اجل الزعامة كل يريدها لنفسه. فالخرشان وهم شيوخ وزعماء كانوا في هذه الفترة يتحولون من مرتبة شيخ مشايخ بني صخر التي استمرت في أيديهم أكثر من ثلاثة قرون الى مجرد شيوخ من الصف الأول في مشيخة بني صخر،
(461)كما أن الزبن وهم مشهورون بفروسيتهم يريدون الحلول مكان الخرشان في موقع زعامة بني صخر، ولا يجدون منافسا لهم في حينه سوى الشيخ فندي وولده الشيخ سطام الفايز.
(462)وأما الجبور وهم أكثر عشائر بني صخر عددا وكانت لهم الزعامة زمن الايوبيين والمماليك قبل الخرشان ( كانت الزعامة في ابن زهير) فقد وقفوا موقف المتفرج ولم يؤازروا اي طرف في داخل القبيلة ضد طرف اخر، ورحّبوا بمن يصل منهم إلى القمّة فالجميع اقارب وابناء عم لهم.
(463) من هنا كان موقف الشيخ فندي ضعيفا مقارنة بطموحاته، اذ لم يجد مؤازرة من قبيلته لمبايعته أو حتى من بطن الطوقة الذي ينتمي اليه داخل القبيلة كما لم يجد حماية من الأتراك لتحقيق اهدافه ورؤاه.
(464)لم يكن لدى لشيخ فندي من المؤيدين عددا كافيا في القبيلة للهجوم على متصرفية حوران وتخليصه من الأسر عام 1800 (عام إعدام ولده وسجنه) وربما كان ما حدث له قد أثلج صدور العديد من المنافسين من زعامات بني صخر في حينه، إلا أن ولده سطام تعلمّ الدرس جيدا، ووجد أن الحلّ الامثل للوصول الى مركز زعامة بني صخر هو الارتماء بأحضان السلطات العثمانية وطلب مساندتها وتأييدها بإجراءاتها التي تمارسها ضد العربان.
(465)وكانت هذه امنية تركية اذ رحبت السلطات التركية بذلك وعينته مديرا لناحية الجيزة والتي كانت تعني في حينه أن له صفتان: صفة شيخ مشايخ بني صخر، وصفة موظف دولة وتابع للوالي ولكنه قادر على السجن والعقوبة باسم القانون الحكومي واستدعاء القوات الرسمية لفرض النظام العام أو لمؤازرته وزاد الأتراك أن أطلقوا على سطام لقب سلطان البر أو أمير الصحراء، وهو ما شرحنا قبل قليل.
(466)استطاعت الدولة العثمانية التمكن من جمع الضرائب من بني صخر عبر شيخ المشايخ الجديد الذي أصبح موظفا لدى الدولة، وهو الامر الذي كان صعبا وأحيانا مستحيلا، واصطادت الحكومة عصفورين بحجر واحد وصارت السلط مركز المتصرفية الجديدة، وصار بالأماكن تسيير جنود وعربان ضد كل من يرفض دفع المستحقات الرسمية عليه، وبدأت مرحلة الغزوات بالأفول، لا بل انها خفت إلى درجة التوقف في فترات متقطعة لعدة أسباب...