بلقيس الأردنية أعظم ملكات الدنيا( ح61) تعدد الروايات وتناقضها حول الملكة بلقيس الأردنية رضي الله عنها
وعند تفحص الروايات زمانا ومكانا واحداثا، نجد ان الملكات اللواتي يحملن اسم الملكة بلقيس متعددة اسما وأمكنة وأزمنة، وان ذلك جعل الامر يلتبس على المؤرخين الذين لم ينتبهوا في بحوثهم لتباين الأزمنة والأمكنة والمجتمعات والشعوب والملوك المعاصرين لهذه الأسماء، والعقيدة الدينية التي تدين بها هذه ال بلقيس او تلك
، ولم ينتبهوا الى الاحداث التاريخية المرتبطة باسم بلقيس الحقيقية ، ولم يحددوا أيا من هذه الملكات اللواتي حملن هذا الاسم، وانما جعل كل منهم أن الاسم يعني أنها المذكورة في القران الكريم وليس سواها، وهو امر لا يتفق مع مجريات وتعدد التسميات والامكنة والعبادات والعقيدة الدينية التي تدين بها بلقيس هذه او تلك .
ولا تتفق رواياتهم مع توقيت وجودها الذي حدده القران الكريم انه زمن النبي سليمان عليه الصلاة والسلام وهو في اوج قوته
ومن المؤسف ان سائر الروايات واراء المؤرخين اعتمدت كلمة ( سبأ اليمنية) فقط ، ولم تنتبه الى ( سبأ الأردنية) الموجودة في بلاد ثمود الأردنية شمال جزيرة العرب .
وبناء عليه ركزت الدراسات والروايات على ان بلقيس كانت باليمن حصرا ولم يكلف أي منهم نفسه ان يمحص الروايات او يبحث بالعمق، ولم يتطرق أي منهم الى سبأ الشمال الأردنية، في بلاد ثمود الأردنية التي وردت في الحديث الشريف أعلاه ( ذكرناه في حلقة سابقة ) .
من هنا فان كثيرا من روايات وتفسيرات التاريخ تخضع للعرف الخاطئ والاسرائيليات التي لا أساس لها، وأيضا ان كثيرا من المؤرخين والباحثين القدماء والمعاصرين يتبعون منهج النسخ واللصق وتصديق الروايات الكاذبة، ولا يسلكون المنهج التحليلي وهو ضروري في هذه الحالات للخروج بالنتيجة الحق .
اما منهجي فهو ( التحليلي التعليلي ) أولا، وإخضاع المعلومة للتحليل في المختبر التاريخي ان جاز هذا التعبير، وبالتالي أقوم بإخضاع كل رواية للتحليل ومدى اتفاقه مع المنهج القراني الكريم ومنهج السنَّة المطهَّرة، والذي يعني اننا نخرج بنتائج مغايرة لم يخرج بها الاخرون من نتائج لتباعهم منهج النسخ واللصق Copy and paste
ومن أسباب هذا التخبط انه لم تكن لدى المؤرخين العرب القدامى دراسات وبحوث وحفريات تظهر لهم اراء أخرى، وهي أمور متوفرة لدينا الان. فتاريخهم يعتمد على الروايات والاجتهادات والاسرائيليات، واما دراساتنا فإنها تتوفر لها معطيات جديدة ومتعددة
اما الملكة بلقيس الأردنية (مدار حديثنا هنا) فظهرت في القرن العاشر قبل الميلاد (قبل حوالي ثلاثة الاف سنة من الان)، زمن سليمان عليه السلام الذي عاش في الفترة ما بين 970 ق. م حتى 931 ق. م )
والقرآن الكريم لا يذكر اسماً لها وانما يذكر صفتها انها امرأة وانها تملك قومها أي ملكة، وبالتال يلم يصفها انها انثى، ( فكل امرأة هي انثى، وليس كل انثى هي امرأة ) , ماما مثلما يقابلها ( كل رجل ذكر وليس كل ذكر )
. قال الله تعالى: " وجئتك من سبأٍ بنبأٍ يقين إني وجدت امرأةً تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرشٌ عظيم " (النمل:22-23). والعرش لا يكون الا للملك او الملكة ،
اما التوراة فتنعتها بـ(ملكة سبأ) أو (ملكة تيمنا) أي (ملكة الجنوب/ تيماء جنوب بلاد ثمود الأردنية شمال جزيرة العرب )، وتذكر أنها زارت النبي سليمان، وقدمت له هدايا ثمينة،
أما المصادر العربية الأساسية في قصة هذه الملكة فتذكرها بالاسم بلقيس خاصة كتاب(التيجان) لابن هشام وكتاب( الإكليل) للهمداني و(القصيدة الحميرية) لنشوان الحميري التي يقول فيها
أم أينَ بلقيسُ المعظَّمُ عرشُهُا أو صرحُهُا العالي على الأضراحِ
زارتْ سليمانَ النبيَّ بتدمرٍ مِنْ ماربٍ ديناً بلا استنكـاحِ
وهو يؤيد نظريتنا ( المؤلف د احمد عويدي العبادي ) ان علاقة الملكة بلقيس بالنبي سليمان هي علاقة ايما ولم يحدث بينهما نكاح ( مِنْ ماربٍ ديناً بلا استنكـاحِ)
نكرر القول ان قصتها وردت في القران الكريم/ سورة النمل، مقترنة بقصة النبي سليمان عليه السلام، فضلا عما أضيف اليها لاحقا من البريق والخرافات والاساطير ،
فألهمت ولا تزال تلهم الفنانين والكتاب والشعراء والموسيقيين وكتاب القصص والمسلسلات ، من مختلف الأمم والعقائد والاتجاهات الفكرية، والازمنة والامكنة .
ومن أسباب ولع المؤرخين والروايات بالملكة بلقيس، انها شخصية ظريفة ومثالية ومكتملة جمالا وقوة ودلالة وهيبة وجاذبية وحكمة وعقل راجح، وهذه صفات تستهوي خيال أي كاتب يريد ان يتحدث حول امرأة ذات صفات واخلاق وسلوك متحضر ومتكامل، ويشكل مدرسة وقدوة لسائر النساء عبر العصور عابرة للقارات والزمان والمكان والانسان .
صحيح ان اسم بلقيس بالنسبة لنا هو الاسم المرتبط بملكة الجوف / أدوماتو / دومة الجندل في شمال جزيرة العرب، أي في جنوب شرقي الأردن التاريخي، وفي الجزء المتاخم للربع الخالي، وليس المرتبط باليمن جنوب جزيرة العرب
ولكنه في الحقيقة اسم لعدة ملكات، ظهرن في اليمن والحبشة فيما بعد، مما يدل على شغف العرب بإطلاق اسم بلقيس، على كثير من ملكات العرب عبر العصور القديمة بعد بلقيس مدار البحث، مما أدى الى هذا اللبس والالتباس،
وذكرتها التوراة بالخير تارة وبالسوء تارة اخرى، وان كانت التوراة لا تحدد مكانها، رغم ان العهد القديم مغرم بذكر الأماكن، لكنه يصمت عندما يتحدث عن بلقيس،
وسبب الصمت التوراتي هذا، لأنها اردنية وفي ارض اردنية، ونحن نعرف حقد التوراة وبني إسرائيل على الأردن والاردنيين ملوكا وشعبا في التاريخ القديم ، وهو واضح في مؤلفاتنا عن الممالك الأردنية القديمة بالأدلة من نصوص التوراة
كما ان الأنجيل ذكرها بخير، لكنه لا يحدد مكانها أيضا. وبالتالي فان كلا الكتابين لا يُستدل بهما حول المكان، لا في اليمن ولا في الأردن، وانما يستدل بهما من حيث حقيقة وجودها فقط ومن حيق صفاتها المتكاملة الراقية المحترمة .
وادَّعت نصوص في التوراة أن الملكة بلقيس السبئية الأردنية، تمثل الشيطان، وكان ذلك كرها وحسدا من اليهود لهذه الملكة العربية العظيمة، مثلما كان كرههم للاردن والاردنيين،
ولأنها كانت مثالا للجمال والحكمة والحنكة والدهاء والقوة والسلطان والثروة والجاه والاحتشام والرقي والديموقراطية، وهي الصفات التي لم يعرفها اليهود في ثقافتهم ومسلكهم واخلاقهم في زمنها ولا قبلها ولا بعدها الى يومنا هذا ( باستثناء الأنبياء )
واما القران الكريم، فقد أشار الى مكانها تلميحا يمكن الاستدلال عليه بالقرائن بقوة ، مثل قوله تعالى عن الهدهد : (فمكث غير بعيد) فضلا عن ذهاب الهدهد في رحلة مكوكية بين القدس والجوف الى حجرة الملكة بلقيس في قصرها المنيف في أدوماتو / الجوف ،
وهو امر متعذر بل مستحيل على طائر الهدهد الضعيف ان يقوم به في وقت قصير لو كانت بلقيس في اليمن في جنوب جزيرة العرب ، وانما الامر ينطبق على سبأ الأردن في شمال جزيرة العرب ، وهي سبأ الشمال الوارد ذكر اسمها في الحديث الشريف الذي اشرنا اليه انفا في هذا البحث ،
مما حدا ببعض المؤرخين ان يجزموا بقرب المكان، ووضعوا مواصفات تدل على انها الجوف / أدوماتو الاردنية، وقد كرمها القران الكريم بالثناء الضمني عليها .
واما علاقتها باليمن / جنوب جزيرة العرب، فان مارب واليمن كانت مقاطعة من مقاطعات الدولة السبئية الأردنية التي كانت تحكمها بلقيس وعاصمتها العامة دومة الجندل/ أدوماتو / الجوف . وهناك عواصم للمقاطعات التابعة للملكة في عاصمتها
وتم اتخاذ مأرب عاصمة لمقاطعة اليمن في زمن الملكة بلقيس، والتي تبعد / أي مارب حاليا نحو 170 كم من صنعاء، وتحولت "مأرب "، في العصر الحديث الى مركز لمحافظة مأرب، وسط البلاد،
وصارت مارب اليمن والتي فيها السد المشهور المعروف باسمها والذي ذكره القران الكريم وقص قصته في سورة سبأ، أقول صارت عاصمة لملكة سبأ الجنوب القديمة بعد وفاة بلقيس وتفسخ دولتها في سبأ الشمال، وكانت أصلا هي العاصمة الثانية لمملكة سبأ القديمة
كما، يقع "عرش بلقيس الاثري في مديرية الوادي بمحافظة مأرب، وبالتحديد في الجانب الغربي من الطريق الذي يصل بين محافظتي مأرب، وحضرموت ".
ويشكل عرش بلقيس المعلم الأشهر من بين كل المعالم التاريخية اليمنية، الذي تحول شيئا فشيئا إلى كنز مهجور، بعد أن هجره الزوار والسياح، جراء المخاوف الأمنية، وانتشار الجماعات المسلحة.
وليس شرطا ان تكون بلقيس اليمن، هي بلقيس مدار حديثنا التي ذكرها القران الكريم في دومة الجندل، ونحن نرى انه اسم لملكة أخرى تحمل اسم بلقيس، وحتى لو كانت هي بلقيس الأردنية فان بناء العرش انما كان تكريما لها وهي في الشمال لان المنطقة ضمن مملكتها، وتقوم بزيارتها من حين الى حين
وبالتالي فان الشعب شعبها والمملكة مملكتها ويقوم شعبها بتكريمها ببناء مثل هذا العرش، ومن الواضح ان تم بناء هذا العرش باليمن الجنوبي.
يقع "عرش بلقيس"، في بداية صحراء الربع الخالي من الجهة الغربية، أي في منطقة الجوف / دومة الجندل المحاذية للربع الخالي من الجهة الشمالية الغربية، وهو المكان الذي نقول انه كان العاصمة الحقيقية لمملكة سبأ الشمال التي كانت بلقيس تتربع على عرشها،
ويطلق عليه أيضاً "معبد بران"، أو "معبد الشمس"، التي عبدها السبئيون واليمنيون قديما في عهد مملكة "سبأ" قبل أن تدخل الملكة بلقيس في دين النبي سليمان عليه السلام وهو دين الإسلام.
وبقي عرش بلقيس، الذي تقول المصادر التاريخية إنه بني في عهدها في القرن العاشر قبل الميلاد?، أقول ظل مطموراً تحت رمال دومة الجندل / سبأ الشمال حتى العام 1988 عندما كشفت بعثة أثرية أجنبية النقاب عن هذا الكنز الأثري بديع الجمال. .
وسمي العرش "معبد بران"، تمييزاً له عن المعبد الآخر الذي يقع بالقرب منه ويطلق عليه "معبد أوام" أو "معبد المقة" (إله الدولة)، كما ان اسم المقة هو أحد أسماء الملكة بلقيس الشمال،
ويختص (معبد بران ) بالكثير من المميزات المعمارية والهندسية، بالإضافة إلى مكانته الدينية في الفترة ما بين القرنين العاشر والرابع قبل الميلاد حيث كان الناس يحجون إليه من مختلف أنحاء جزيرة العرب.
حيث يتكون "عرش بلقيس" من 6 أعمدة، أحدها مكسور، كما يضم وحدات معمارية مختلفة أهمها "قدس الأقداس"، والفناء الأمامي وملحقاتهما، مثل السور الكبير المبني من الطوب، إضافة إلى المنشآت التابعة له.
وبحسب كتاب "اليمن السعيد" الصادر عن وزارة السياحة اليمنية، فقد تطورت العناصر المعمارية لمعبد "بران"، في حقب زمنية مختلفة منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد، و
يبدو أن المعبد مكون من وحدة معمارية متناسقة يتقابل فيها المدخل الرئيس والساحة مع الدرج العالي، بشكل يوحي بالروعة والجمال وعظمة المنجز".
وهي موصوفة لدى شعبها الأردني الوفي في التاريخ : انها ( " ملكتنا امرأةٌ لم يرَ الناسُ مثلَها في حسنها وفضلها وحسن تدبيرها وكثرة جنودها والخير الذي أُعطِيَتْه في بلدها "
انتهت ( ح 61 ) وتليها ( ح 62 ) بعون الله تعالى، وهي عن حرب المخابرات والتجسس المتبادل بين بلقيس وسليمان/ اليكم التفاصيل..