عندما نحزن ونذرف الدموع في ذكرى رحيل العظماء، نتذكر إنجازاتهم وتأثيرهم العميق على حياتنا. كل دمعة تمثل لحظة من التأمل في أفكارهم، وإبداعاتهم، ونضالهم من أجل عالم أفضل. نحن نعيش في عالم مبني على إنجازاتهم.
إدوارد سعيد، الذي غادر عالم النفاق والكذب إلى أرض الحق في 25 سبتمبر/ أيلول عام 2003، لم يكن مجرد ناقد أدبي، بل كان أيضًا مفكرًا سياسيًا نشطًا. كان شخصية معقدة تعكس التفاعل بين الأدب والسياسة والثقافة، وقد حارب بشراسة من أجل القضية العادلة، وهي القضية الفلسطينية، مركزًا على حقوق الشعب الفلسطيني في سياق الاحتلال الإسرائيلي. ساعدت كتاباته ونشاطه العالمي في تعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
وُلد إدوارد سعيد في القدس لعائلة مسيحية، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة للدراسة، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي. وتعود شهرته بشكل خاص إلى كتابه "الاستشراق" (1978)، الذي أثار جدلاً واسعًا حول الطريقة التي يتم بها تمثيل الشرق في الأدب والفن والدراسات الأكاديمية الغربية. تُعتبر أفكاره اليوم مرجعية مهمة للعديد من الباحثين والمهتمين بالقضايا الثقافية والاجتماعية.
في "الاستشراق"، قدم سعيد نقدًا عميقًا للصورة النمطية التي يحملها الغرب عن الشرق. يرى أن هذه الصور ليست مجرد تعبيرات ثقافية، بل هي جزء من أيديولوجيا استعمارية تهدف إلى تبرير السيطرة الغربية على الشعوب الشرقية. من خلال تحليل النصوص الأدبية والسياسية، أبرز سعيد كيف ساهمت هذه الصور في تشكيل الهويات الثقافية والسياسية للشرق، مما أدى إلى تشويه الواقع التاريخي والثقافي للمنطقة.
يمتد إرث سعيد إلى ما هو أبعد من الدراسات الأدبية؛ فقد أثرى مجالات مثل الدراسات الثقافية، والدراسات الاستعمارية، ودراسات الهوية. يُعتبر سعيد من الرواد في دعوته إلى ضرورة الاعتراف بالتنوع الثقافي والاهتمام بمسألة العدالة الاجتماعية.
لم تقتصر أفكار سعيد على العالم العربي أو الغربي، بل أصبحت جزءًا من النقاشات العالمية حول الثقافة والهوية. تمت ترجمة أعماله إلى العديد من اللغات، مما سمح بانتشار تأثيره على نطاق واسع.
في النهاية، إن الدموع التي تُذرف في ذكرى موت العظماء ليست فقط تعبيرًا عن الحزن، بل هي أيضًا تعبير عن الحب والامتنان. فلنستمر في الاحتفاء بإرثهم، ولنجعل من ذكراهم دافعًا للتغيير والإبداع. العظماء قد يرحلون، لكن أفكارهم وأعمالهم تظل حية في قلوبنا وعقولنا، ونحن مطالبون بمواصلة المسير نحو المستقبل الذي حلموا به وخاصة في ظل الصراع الإسرائيلي والعدوان المستمر على أهلنا في غزة والضفة الغريبة ولبنان.
حمى الله الوطن العربي من شر السرطان الاسرائيل والأمريكي