تستند العلاقات السعودية المصرية إلى أسس أخوية تاريخية، تعززها مصالح سياسية واقتصادية مشتركة في المنطقة، وتمتد لعقود وقد عمق ذلك أول لقاء بين جلالة الملك فاروق وجلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراهما... عام 1945م في مصر، حتى وصلت زيارة الرئيس المصري للمملكة وزيارة رئيس الوزراء قبل شهر للمملكة، وسبقهما ما لا يقل عن 20 زيارة متبادلة بين الشقيقتين منذ 30 مايو 2019 حتى تلك الزيارة التي قوبلت بحفاوة الترحيب ومن ثرى الوطن المصري لولي العهد الميمون صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ورؤيته المحورية.. في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس عبدالفتاح السيسي.
ولا ننسي مقولة الملك عبدالعزيز المؤسس: (لا غني للعرب عن مصر ولا غني لمصر عن العرب)، فوقفت المملكة مع شقيقتها مصر في 1956 وساعدتها بنحو 100 مليون دولار، بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي، وساندت مصر في العدوان الثلاثي، وبعد انتهاء العدوان الثلاثي رأس الملك سلمان لجنة لجمع التبرعات لصالح أهالي السويس، باسم لجنة التبرع لمنكوبي السويس حين كان أميرًا لمنطقة الرياض، وبناء اتفاقية دفاع مشترك وقعت عام 1955 بين البلدين، ولا ننسى من المواقف التاريخية قرار الملك فيصل بن عبدالعزيز أثناء حرب أكتوبر بقطع إمدادات البترول لوقف العدوان على مصر.. امتدت لمواقف المملكة مع ثورة مصر ضد الإخوان المسلمين.
إذاً زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي رئيس الوزراء، إلى مصر، ستتبعها نقلة استراتيجية واقتصادية وتجارية في العلاقات بين البلدين، تنعكس على دول الجور كالأردن وفق التعاون الوثيق في مختلف الأصعدة لا سيما الاقتصادي منها، إذ تؤدي التجارة والاستثمارات المتبادلة دورًا محوريًا في تنمية هذه العلاقات وتعزيز دورها على المستويين الإقليمي والدولي في مرحلة سياسية حساسة وشائكة في المنطقة على وقع التصعيد الإسرائيلي الإيراني، فضلا عن الحرب المشتعلة منذ سنة في غزة ولبنان.
فالزيارة ستدعم آفاق التعاون والشراكة بين البلدين بما يحقق مصالح الشعبين، مؤكدين أن السعودية ومصر هما ركيزتا الاستقرار في المنطقة وصمام الأمان للمصالح العربية العليا على أسس استراتيجية، كما أنها في نمو مستمر، ففي المملكة أكبر عدد من المقيمين المصريين يعملون في مختلف المجالات بخبرات لا تُعد، هي سبيل جذب الاستثمارات للسعودية وفق رؤية المملكة المُلهمة في مجالات متنوعة، والعمل على تذليل العقبات لزيادة تلك الاستثمارات وتنميتها، حيثُ ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين البلدين لتبلغ خلال النصف الأول من العام الحالي 8 مليارات دولار، وقيمة الاستثمارات السعودية تتجاوز نحو 26 مليار دولار بعدد يتجاوز 8 آلاف شركة، وتبلغ قيمة الاستثمارات المصرية في السعودية 4 مليارات دولار، وعدد شركات 3 آلاف شركة.
هذا النمو جاء بعد لقاءات عن طريق تشكيل مجلس تنسيقي أعلى للبلدين، يبحث فرص الاستثمار الواعدة لمجالات جديده مثل الطاقة الجديدة والمتجددة والهيدروجين الأخضر، وهناك تعاونا بالفعل بينهما في مجال التنقيب عن الغاز مع أكبر شركات الطاقة، وهي عملاق الطاقة العالمي أرامكو. كما أن السعودية داعمة بقوة للاقتصاد المصري، قررت ضخ استثمارات جديدة بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات السعودية
وهناك نية لتطوير وتنمية "رأس بناس" لتكون على غرار المشاريع العالمية التي تسعى مصر للشراكة فيها لضمان الاستثمارات العالمية وتدفقها.
وتنشط أكثر من 6285 شركة سعودية في مصر، باستثمارات تفوق 30 مليار دولار، كما توجد في المقابل 274 علامة تجارية مصرية، وأكثر من 574 شركة مصرية في الأسواق السعودية، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بين 2016 و2021 نحو 47.7 مليار دولار، وزاد حجم الصادرات السعودية غير النفطية إلى مصر بنسبة 6.9%، ليبلغ 1.9 مليار دولار عام 2021م.
المملكة ضخت استثمارات جديدة خلال العام الجاري 2024، بقيمة تصل إلى 1.5 مليار دولار أغلبها توجه للقطاع الصناعي، وكذلك قطاعات الطاقة والعقارات والبنية التحتية في مصر، فاستثمارات المجموعة الحالية في مصر تبلغ 5 مليارات دولار، ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين 5.6 مليار دولار فى 2022، مقابل 4.5 مليار دولار عام 2021، فمثلاً تتوسع شركة هيدروجين مصر في السوق السعودية، التي تُعدّ مصدرًا أساسيًا لتوفير إمدادات الطاقة النظيفة لدول آسيا التي يزيد فيها الطلب يوماً بعد يوم، ويعدّ وقود المستقبل، تركيزاً على تكامل السوقين المصرية والسعودية، في قطاع الهيدروجين الأخضر، الذي جرى تقييم سوقه العالمي في عام 2020، بنحو 150 مليار دولار، وسط توقعات ببلوغها 600 مليار دولار بحلول عام 2050.
والجدير بالذكر أن المملكة تحتضن أكثر من 800 شركة مصرية تستثمر في المملكة، وتسعى لزيادتها، فقد بلغ حجم الاستثمارات المصرية في السعودية 5 مليارات دولار، مقابل حجم الاستثمارات السعودية في مصر 32 مليار دولار عبر أكثر من 6400 شركة، لينمو حجم التجارة بين الشقيقتين المصرية والسعودية بنسبة 41% خلال 2022 مقارنة بعام 2021، إذ سجلت 20 مليار ريال، وتحتل مصر المرتبة السابعة من حيث الصادرات السعودية، والسعودية تحتل ما بين المرتبتين الثانية والثالثة في الصادرات والواردات المصرية، وعليه فإن التعاون الاقتصادي في قلب إدارة ولي العهد السعودي والحكومة المصرية.
وأخيراً: تطابق الرؤى السياسية والشعبية حول قضية العرب والمسلمين (القضية الفلسطينية) فموقفهما واحد وينطلق من الإيمان التاريخي بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على حدود الرابع من يونيو 1976 وعاصمتها القدس الشرقية وعلى أساس المبادرة العربية التي أطلقها العاهل السعودي الملك عبد الله
التوافق المصري السعودي بشأن القضية الفلسطينية، لكون الدولتين مركز الثقل العربي وذواتي تأثير إقليمي ودولي وكلتاهما فاعل على الساحة العربية والإقليمية والدولية.
إذاً التنسيق والتشاور السياسي بين القيادتين لم ولن ينقطع بين دولتين عظيمتين لهما الأثر المباشر في قيادة المنطقة ودفة الأمور والقضايا الدولية، لأنهما ركيزتا الأمن العربي وحمايته التي بدأت منذ الأمد في السراء والضراء، بتطابق الرؤى بين الشعبين وديمومة العلاقة النابعة من القلب العربي،
وختاماً: وجود مجلس تنسيقي أعلى بين البلدين مهم جدا لدفع العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية سيلعب دورا كبيرا في صياغة المواقف السياسية، خاصة أن المنطقة العربية معرضة لمخاطر جمة بسبب المخططات الإسرائيلية وحرب الإبادة الوحشية التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة واحتمالات توسعها.