المعاني:
ومضات سامر وجدتني فجأة أعيد للحروف حريتها بعد أن فتحت قفل القصائد المصلوبة
نيروز - محمد محسن عبيدات
كتب
القامة الأدبية والعلمية الأستاذ الدكتور سلطان المعاني نائب رئيس الجامعة
الهاشمية سابقا قراءة في ومضات للأديب سامر المعاني وتاليا مفردات القراءة :
ينبثق
النص كومضة تحمل دلالات عميقة ومشحونة بالرمزية، حيث تلتقي الفكرة بالعاطفة في لحظة
واحدة من التحرر والإبداع. يكثف النص تجربته الشعورية في لحظة انفراج مفاجئ، حيث يجد
المتكلم نفسه وقد أعاد للحروف حريتها، وهي استعارة تعبر عن استعادة القوة الإبداعية
والتعبير الفني بعد فترة من القيد.
يعتمد
النص على عنصر المفاجأة، حيث كلمة "فجأة" تأتي ككسر للتوقع، مما يسبغ على
النص زخمًا داخليًا يعبّر عن الانتقال المفاجئ من حالة الجمود إلى حالة الحركة. هذه
النقلة المفاجئة بين حالتين متناقضتين تعزز من حدة اللحظة وتجعل القارئ يشعر بعمق هذا
التحول.
أما تحرير
الحروف فيُصَوَّر على أنه عملٌ تَحَرُّري، وكأن الحروف كانت مكبلة أو مسلوبة الإرادة.
إن الحروف لا تعني بالضرورة رموزاً لغوية، وإنما تحمل دلالة على الإبداع المكبوت أو
الأفكار المقموعة التي تستعيد حريتها. إن عملية تحرير الحروف لا تأتي عبر تحطيم قيد
مادي وإنما من خلال "فتح قفل القصائد المصلوبة"، حيث يُجسد فعل الفتح بداية
لحظة الإبداع المتجددة.
تتبلور
الصورة الشعرية في النص في "القصائد المصلوبة"، وهي استعارة بليغة تشبه القصائد
بمشهد الصلب، مما يوحي بأنها كانت مقيدة، مكبلة أو مضطهدة. والصلب هنا عذاب، وانحباس
وجمود، حيث القصيدة، التي يُفترض أن تكون حرة وتعبيرًا عن الروح والإبداع، تُرسم في
هذا المشهد كشيء محكوم عليه بالجمود. وحين يُفتح القفل، تتحرر القصائد وتعود إلى موقعها
الطبيعي، كأنما تم إحياؤها من جديد.
تعكس هذه
الومضة رحلة نفسية وفنية، حيث يبدأ المتكلم في حالة من التقييد أو الإغلاق على إبداعه،
ثم يجد طريقه للتحرر. وتمثل استعادة الحرية للحروف بعد فتح القفل الانتصار على حالة
من الجمود الإبداعي أو الانغلاق الداخلي، ويُمثل هذا التحرر نقطة الانطلاق نحو إعادة
تدفق الأفكار والمشاعر.
النص مكثف
بأسلوبية عالية، حيث يعتمد على التكثيف اللغوي والرمزي لإيصال فكرة عميقة دون الحاجة
إلى التفصيل المفرط. وقد منح استخدام الاستعارات والمجازات ثراءً تعبيريًا، حيث تلتقي
الحروف بالقصائد في مشهد تحرري يعبّر عن انتصار الروح الإبداعية على القيود، مما يعزز
الشعور بتحرر داخلي يمس الذات العميقة.
...
"أنا
الدمعة المرتجفة في أحداق الانتظار الطويل"
...
ينطلق
النص من تكثيف لغوي، يختزل شعورًا عميقًا في عبارة قصيرة توحي بحالة من الانتظار المرهق.
وتُوظف الاستعارة في تصوير الذات كـ"دمعة مرتجفة"، مما يسبغ على النص بُعدًا
شعريًا يجسد العاطفة بشكل محسوس. أما الدمعة، التي عادة ما ترتبط بالحزن أو التوتر،
فتكتسب هنا صفة الارتعاش، مما يعزز من حالة القلق وعدم اليقين التي يعيشها المتحدث.
وفي قُفلة الومضة يرتبط الانتظار الطويل بالترقب المستمر الذي لا نهاية له، في حين
أن الدمعة توحي بلحظة قريبة من الانفجار، مما يعكس تناقضًا داخليًا بين الترقب والانفراج
المحتمل.
يعتمد
النص على الرمزية المكثفة، حيث تمثل "الدمعة المرتجفة" العواطف الكامنة على
وشك الظهور، بينما "الانتظار الطويل" يعبر عن حالة مستمرة من الترقب والقلق.
يزيد هذا التداخل بين الرمزين من التأثير العاطفي للنص، حيث يجعل الانتظار حالة نفسية
مشحونة بالتوتر. ويتجلى التوتر الداخلي في هذا التفاعل بين الدمعة والانتظار، حيث يُظهر
النص صراعًا داخليًا بين الرغبة في الانفراج والبقاء في حالة الترقب.
يحافظ
النص على إيقاع داخلي هادئ، متناسب مع حالة الارتجاف التي تصفها العبارة، مما يبين
بشكل دقيق التوتر النفسي المرافق للانتظار. ويعزز التماسك بين المفردات من تأثير النص،
حيث يتدفق بشكل سلس مترابط لغويًا، من البداية إلى النهاية، معتمدًا على الروابط اللغوية
التي تجعل المعنى مكتملًا ومتسقًا.
تظهر في
النص ملامح واضحة للومضة الأدبية، من حيث اعتمادها على التكثيف والإيجاز، واستخدام
الصورة الشعرية الموحية، والرمزية العميقة، لتعبر عن حالة شعورية واحدة مكثفة تجمع
بين التوتر والانتظار.
نلمس في
النص حالة من التشظي النصي المحمود، الذي يُساهم في خلق حالة من التوتر والانقسام الداخلي
بشكل إيجابي يخدم النص. فالتشظي يظهر من خلال انفصال المعاني واستقلال كل جزء من العبارة
برمزيته الخاصة، لكنه في الوقت نفسه يحافظ على ترابطها الكلي. يتجلى التشظي في صورة
"الدمعة المرتجفة"، التي تمثل لحظة حساسة من المشاعر المتأرجحة، حيث يتشظى
المعنى بين كونها دمعة تحمل الحزن أو القلق، وبين ارتجافها الذي يعكس حالة من التردد
والاضطراب، فهذه الدمعة لا تحمل شعوراً واحداً فقط، بل تتعداه إلى مجموعة من الأحاسيس،
تجمع بين الخوف، والحنين، والتوتر، مما يجعلها تعبيرًا مركباً عن الباطن النفسي. ثم
يأتي الانتظار الطويل ليُضيف بعدًا آخر للتشظي، حيث يتشظى الزمن نفسه. الانتظار، الذي
يتصف بالطول والامتداد، يتحول إلى شيء ملموس يتجسد في الأحداق، مما يكرس الشعور بالتوتر
النفسي والارتباك العاطفي. فالانتظار لا يظهر كفعل اعتيادي بسيط فقط، وإنما يمتد ويتشظى
إلى لحظات كثيرة من الحيرة والترقب، وكأن كل ثانية فيه تتفكك لتكون وحدات من القلق
المتكرر.
إن قراءة
النص وفق مفهوم التشظي يمنح الومضة عمقًا في المعنى، ويتيح للقارئ أن يمر بتجربة نفسية
متعددة المساحات، ويُفكك المعاني ليعيد تركيبها في إطار يعكس تعدد المشاعر والأفكار،
وهو ما يسهم في إغناء النص وجعله مفعمًا بالمعاني الرمزية المتداخلة.