دخلت اجهزة التلفاز الى الحارات بعد دخول الراديو بفترة ليست بالقصيرة ، فصار بعض المقتدرين يشترون التلفاز الابيض والاسود . وكان ابو فلاح أحدهم حيث إشترى تلفازا من نوع ناشيونال ياباني أصلي " اسود وابيض " ، وصار ينظر اهل الحارات اليه بانه ذلك الزنقيل القادر على ان يملك كمالية في منزله ، والذي سيوفر لأهله وأقاربه متعة مشاهدة الاخبار والمسلسلات البدوية ، ومشاهدة سميرة توفيق أُم غمزِة وتوفيق النمري وفريد الأطرش ونجاح سلام وفيروز والصبّوحة ، وحضور مسلسل صح النوم ، ومشاهدة مقالب غوار الطوشة بحُسني البورزان ، وعشق ياسين بقُّوش لفطوم حيص بيص وعنتريات ناجي جبر " ابو عنتر " .
الليلة هي الحلقة الأخيرة من مسلسل " وضحا وإبن عجلان التي راح يدخل فيها ابن عجلان لعرب وضحى ، فكل اهل الحوش يترقبون هذه الحلقة بفارغ من الصبر . فالنسوان غَسَّلِن و جَلِن وكنسن . والزلم روحوا من الحراثة بوقت مبَّكِر ، وعلَّفوا الطرشات ، وزربوا الغنم والفطايم ، وبلّغوا ابو فلاح انه السهرة عنده الليلة ، لانه الوحيد الذي امتلك قبل فترة تلفزيون ناشيونال واحد وعشرين بوصة ، اسود وابيض ويشتغل عالترانزستور وعلى بطارية السيارة .
يبدأ تجهيز التلفزيون بعد العصر لتكون الصورة واضحة وبدون نَمَش . وما اصعبها من عملية ، فالبرد شديد والمطر غزير يرافقه الريح العاصف . ومع ذلك هناك تصميم من ابي فلاح لأن تكون الصورة واضحة .
ابو فلاح لإبنه مفلح : هوه إطلع يابه يا مفلح على حيط هالدار " السطح " مشان إتزبِّط شبكة التلفزيون ، الليلة الحلقة الاخيرة من إمْسَلْسَل وضحى وإبن عجلان .
يقول مفلح : طيب يابه . بس خلّي فلاح يوقف عالبرندا مشان يقول لي وين أحرِّك ؟
فلاح يخرج ويقف على البرندا لأخذ توجيهات من والده وتوصيلها لأخيه مفلح : روح إطلع ودير بالك تِدَلبَز " تتزحلق " عن الحيط ، ترا الهوا قوي ، وإشتاها لأبو موزة .
أبو فلاح يقف مقابل التلفزيون ، وفي حال رأى بأن التلفزين صار صافي وإبرنجي يحكي لفلاح مشان يمرر لمفلح لتثبيت الشبكة مليح إبلُب البرميل .
يصعد مفلح على السطح ، ويبدأ بتحريك الشبكة التي كانت تستلم اشارات تلفزيون سوريا وإسرائيل وعمان الأولى وعمان الثانية ، ويقف فلاح على البرندا لاعبا دور وسيط تمرير التوجيهات بين ابو فلاح ومفلح وكانه ضابط إحداثيات في سلاح المدفعية .