لموت يكتنفهم من كل جانب.. فبات جزءاً من يومياتهم القاسية.. يتخاطفهم تارة من تحت الركام أو من مخيماتهم التي تأنف حتى قطط الشوارع العيش فيها .. والقصف الهمجي لا يفرق بين كبير أو صغير، حتى المقمطين في الأسِرّة التي تحولت تحت ركام البيوت والمعابد ودور العبادة والمدارس إلى أكفان، حيث أبيدت أسرٌ بكاملها وشطبت من سجلات دائرة الأحوال المدنية، فيما هجرت الطيور الخضر أجسام أطفالها الطرية إلى فضاءات الحرية حيث عدالة السماء المهدورة على الأرض التي يعربد فيها الشيطان دون رادع.
هذه تقاسيم القدر حينما يتعرض شعب بأكمله إلى الإبادة المنظمة في عالم تزدوج فيه القوانين ويسوده الرياء.ا
انفجاراتٌ ودمارٌ وأصواتٌ تجأر مستنجدةً بمن تبقى من مدينة غيرت الحرب كل حياة أهلها القابضين على الجمر؛ سوى ما تنطق به عيون أطفالهم من إرادة وأمل، ودموع يخالطها مزيج من الخوف والغضب الذي سيثمر ذات يوم فيخرج من بينهم ألف مقاوم وسنوار.
هذه مشاعل يتوارثها جيل عقب جيل.. تستطيع أن تقرأ ذلك في عيون أفراد هذه العائلة التي يكتنفها الخوف الشديد والموت الزؤام وهي محاصرة بركام بيتها الذي دمرته الحرب، ورغم ذلك تطل بعيون أطفالها من شرفة الموت على حياة سيقبلون عليها بعد النصر الذي يؤمنون به، بقلوب تهتف لحياة عامرة بالعزة والكرامه.. وتشتعل فيها مشاعل النهار.
هؤلاء الأطفال أتخيلهم كيف يخرجون من بين الرماد كالفينيق الكنعاني أشد عنفواناً.. وأشد قوة في التصدي للمحتل الغاشم الذي يمعن في قتل الطفولة رغم مناشدات العالم بوقف العدوان الجائر.
لا أحد يلتفت إليهم سوى مقاومة تدافع عن غزة.. وفلسطين.. رغم الليالي التي باتت كصمت القبور في مدينة تحولت بفعل القصف الإسرائيلي إلى ركام، والوحوش المنفلتة تصول وتجول بين أطلالها، وهي تجأر في سمائها، وفزعات الشهامة وهي تبحث عنهم أحياءً أو رفاةً بين الأنقاض حيث النواح والعويل وعيون يهاجمها الخوف دون أن يموت في نظراتهم الأمل بحياة أفضل تخلو من القتلة المتعطشين للدماء.
يا أطفال غزة فقد دفعتم فاتورة النصر، إذْ تحولت نظراتكم التي تأنف الأفول إلى حالة إنسانية نبهت العالم إلى حقوقكم المستهدفة.. هذا قدر شديد القسوة لكنه في حسابات الكرامة جميل.
1 نوفمبر 2024