في كلمة مؤثرة أمام مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "COP29" الذي عُقد في العاصمة الأذربيجانية باكو، قدّم سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ، رؤية متكاملة حول التحديات البيئية وتأثيرها على الأمن والسلم الدوليين، رابطاً بوضوح بين القضايا المناخية والأزمات الإنسانية وقد أعرب سموه عن الحاجة الماسة إلى تضامن دولي فاعل لحماية كوكبنا، وبيّن أن الوصول إلى حل شامل لا يقتصر على الجانب البيئي فحسب، بل يشمل أيضاً تحقيق العدالة الإنسانية ومواجهة الأزمات التي تهدد استقرار الشعوب.
أشار الأمير إلى ما يشهده العالم من تراجع في الثقة بقدرة المجتمع الدولي على مواجهة الأزمات، مع تزايد انتهاك المعاهدات الدولية والتجاهل المتكرر للأزمات الإنسانية من دون عقوبات، مما يخلق فجوة كبيرة في التعاون الدولي وتساءل عن مدى إمكانية تحقيق هذا التضامن العالمي إذا استمر تجاهل البعض وتعرضهم للأذى دون تدخل، موضحاً أن الفشل في تقديم المساعدة لهؤلاء يقوض قيم المجتمع الدولي.
وخصّ سمو الأمير الحسين فلسطين، وتحديداً قطاع غزة، بتسليط الضوء على التحديات البيئية والإنسانية الناجمة عن الحروب المتواصلة هناك وأشار إلى نتائج دراسة من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تُظهر التلوث الشديد في الماء والهواء والتربة في غزة، والذي زادت حدته بسبب تدمير البنية التحتية الأساسية وكما أفاد بأن إعادة إعمار غزة، وإن كانت ضرورية، إلا أنها ستسهم في زيادة الانبعاثات الكربونية، بحيث تتجاوز سنوياً ما تنتجه أكثر من 135 دولة مجتمعة، مما يشير إلى التداخل العميق بين الحروب وتحديات المناخ ويبرز الحاجة إلى تضامن عالمي لمعالجة هذه التداعيات.
من جهة أخرى، تناول سمو ولي العهد التحديات التي يواجهها الأردن كدولة مضيفة لملايين اللاجئين، مشيراً إلى الأعباء الإضافية التي تترتب على الأردن جراء ازدياد الطلب على الموارد الشحيحة، كالمياه والطاقة والخدمات الصحية والتعليمية وأوضح الأمير أن المملكة أطلقت بقيادة الملك عبدالله الثاني مبادرة "مترابطة المناخ - اللاجئين" العالمية، التي تهدف إلى حشد الدعم لمساندة الدول المستضيفة للاجئين في ظل أزمات التغير المناخي وقد حظيت المبادرة حتى الآن بدعم من 58 دولة، ودعا سموه دول العالم للمزيد من الدعم والانضمام لهذه الجهود.
وقد أكد سمو الأمير على أهمية العمل الجماعي في معالجة التحديات المناخية، ودعا إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في آليات تمويل المناخ، بحيث تضمن الدول وصول الدعم إلى الفئات والدول الأكثر احتياجاً، خاصة تلك المستضيفة للاجئين والتي تعاني من آثار المناخ بشكل أكبر وشدد على أن الدول بحاجة إلى إعادة بناء الثقة في بعضها البعض، والاعتراف بالإخفاقات السابقة، والعمل بجدية لتعزيز التضامن بدلًا من الاكتفاء بمشاهدة الأزمات دون تدخل حقيقي.
واختتم سمو الأمير حسين كلمته بدعوة جميع الدول إلى العمل بشكل فاعل في مواجهة التغير المناخي والسعي من أجل تحقيق السلام وتخفيف المعاناة الإنسانية وأكد أن "كل حياة تستحق أن يُناضل من أجلها"، موضحاً أن هذه المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره وعبّر سموه عن التزام الأردن بهذه المبادئ، داعيًا الدول إلى توحيد الجهود والعمل معًا لإنقاذ الكوكب وبناء مستقبل أكثر استدامةً وأمانًا للأجيال القادمة.
بهذا الطرح الشامل، يعكس سمو الأمير الحسين رؤية الأردن في التحديات البيئية، مؤكداً أن العمل على مواجهة أزمات المناخ لا يكتمل دون التطرق للعدالة الإنسانية وتحقيق الأمان للشعوب، داعيًا إلى وحدة الجهود الدولية للحد من الأزمات المترابطة التي تهدد استقرار العالم.