ما أجملَ أن تُعيدَنا كلمة بسيطة إلى ماضٍ مليء بالدفء والبساطة، كما فعل الطفل الكركي في احد الڤيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي... حين قال لأستاذه في حصة الرياضة: "نَحّْني عركبتي!"، ليردَّ الأستاذ مُعاتبًا زميله: "لويه سمطته عركبته؟!". لحظتها، لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت جسرًا أعادني إلى طفولتي، إلى لهجتنا الأردنية التي أوشكت على الضياع وسط زحام اللهجات الدخيلة....لهجتي وكلماتي (نحيته...سمطته...الخ )...التي ضاعت مع لهجات غريبة اسمعها ولا اعرف معناها احيانا....منذ اربعين سنة ايها الطفل الكركي الأصيل الضارب الجذور لم اسمع ما تفوهت به....
لهجتنا الأردنية ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي روحُ المكان ونبضُ أهله... في كل كلمةٍ منها تجدُ رائحة القمح، والحلال والبل وصوت الريح بين الجبال والسهول والوديان ، ودفءَ الجلسات حول مواقد النار... هي لهجةٌ تحمل في طياتها قصص الأجداد، وتجسّد انتماءنا لهذه الأرض.
ولكن مع الزمن تغيّرت الأمور... أصبحنا نسمع كلمات غريبة في شوارع عمّان، وكأنَّ مدينتنا فقدت صوتها الأصيل... أتذكّر كيف كنّا نتكلم بلهجتنا بكل فخر، وكيف كانت تُميّزنا وتجعلنا نشعر بأننا جزء من شيء أكبر، جزء من هويةٍ متجذّرة لا تهزّها الرياح.
واليوم، حين تسمع شوارع عمّان يتردد فيها صدى لهجات من كل حدبٍ وصوب، تشعر بأن شيئًا ما قد تغيّر... حتى عمان نفسها كما اخبرتك يا بني رعد...لم تعد "عمان فارس عوض"، تلك المدينة التي كانت لهجتها جزءًا لا يتجزأ من هويتها...
نعم، قد نكون قد تغيرنا، وقد تكون لهجتنا تراجعت قليلاً، لكنها لم تختفِ... ما زال هناك من يقول: "دير بالك لا تنحّني عركبتي!"، وما زال هناك من يسترجع تلك العبارات البسيطة المليئة بالدفء والمعاني.
لهجتنا الأردنية هي ذاكرتنا، وجذورنا التي تمتدُّ في عمق الأرض، ولن نسمح لها أن تندثر... ستبقى ما دمنا نُحبُّ أرضنا ونفخرُ بما نحن عليه...
ايها الطفل الكركي الأصيل الضارب الجذور... لقد اعدتني الى لهجتي التي أوشكت على الأفول أمام لهجات غريبة اسمعها ولا اميزها....لقد ميزت لهجتك وأسرتني جدا وأعادة شريط لهجاتنا وعبارتنا....ايها الكركي... أنت أنا...وأنا أنت..... وأقسم إنه لافرق بيننا.....وللحديث بقية...