نحن معشر المهمشين لا نبغي إلا أن نكون أعزة في وطننا، إخوة في الدين والدم والتراب، متساوين في الحقوق والواجبات، لا نضطر بأن ندين بالولاء وصادق الانتماء إلا لهذا البلد ملكا وترابا وشعبا، بعيدا عن أولئك الذين نصبوا أنفسهم أوصياء علينا، حتى باتوا يخاطبوننا بصفة أقرب إلى الإلهية:( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) هكذا هو الحال في كثير من الإقطاعيات المجتمعية التي تتمدد في كل المفاصل لدى بعض المكونات الاجتماعية في بلدنا العزيز، لقد باتت هذه الإقطاعيات تحتوينا دون رحمة أو إنسانية، كيف لا وقد أوكل إليها أمرنا، ولا أريد أن أفصل أكثر من ذلك فأقول إنها باتت تشتري ولاءات الناس بديلا عن الولاء للدولة.
مثل تلك المناخات التي تنافس فيها تلك الإقطاعيات الدولة على ولاء المواطنين حين تصير بديلا عنها وعن المؤسسات الرسمية في تقسيم الفرص دون عدالة، لتستأثر بها وتعيد تدويرها في
كل مرة بين الأبناء والأحفاد والمحاسيب هي مناحات عير صحية على الإطلاق، ولا تخدم مسيرة الإصلاح السياسي التي انطلقت على أساس تعزيز مدنية الدولة.
لقد ولدنا نحن المهمشين كما ولد آباؤنا على أرضنا يوم قر، فمسّنا البرد، وفطمنا عن ضرعه يوم حر، فمسنا الضر، ولكننا بقينا الأبناء البررة الذين انتشروا في مناكب الوطن، تسرول بعضنا ب(الفوتيك) في ميادين البطولة والشرف، وائتزرنا بعضنا الآخرالمناجل وتأبط المحاريث، وتمنطقنا جميعا بالصبر والأمل، وعيوننا ترمق السماء، تترقب الوسم، وتشنف آذانها للرعد، ولثغاء الماشية التي كثيرا ما كانت تبتهل معنا إلى الله أن يمدنا ويمدها بالغيث، كان قدرنا أننا نقيم في واد غير ذي زرع، شحيح المطر قليل الثمر لكنه مليء بالبركة ، غير أننا لم نقنط يوما من رحمة الله، كبرنا ونحن نرى الوطن يعبر على كواهلنا من كل محنة وهو أقوى وأعز، وسعدنا وهو يجتاز كل مسغبة حيويا شابا فوق جوعنا وفقرنا، ممنونين لله أن جعله آمنا مستقرا رغم خوفنا، وطمعا في الغد الأجمل الذي لم يأت بعد.
كنا نظن أننا من أبطال قصة الصبر والصمود والكفاح التي بنيناها نحن الأردنيين على تخوم العز والعوز وشح الفرص وقلة الحظ التي وصمنا بها مخططو التنمية، ومهندسو السياسات العامة، كان ذلك الوصم يؤذينا ونحن نتلقى خبزنا فتاتنا كفافا عند أبواب المحسنين الذين قسموا الحظوظ بيننا قسمة ضيزى وهم يتسامرون ويروون مغامرات لم يخوضوها، وهنا لا أجد أكثر تعبيرا عن حالنا نحن المهمشين من قول الشاعر:
سبحان من قسم الحظوظ * فلا عتاب ولا ملامة
أعمى وأعشى ثم ذو * بصر وزرقاء اليمامة
والعمر مثل الضيف أو * كالطيف ليس له إقامة.
أعود فأقول كنا نظن- وبعض الظن إثم- أننا نحن عامة الأردنيين المقيمين على هذه الأرض المباركة من شتى المنابت والأصول أبطال رحلة العبور الناجحة التي بدأت من عهد التأسيس إلى عهد البناء والتمكين، رفاق الصبر والرضا والأيام الصعبة، فإذا بأبطال آخرين قد كتبوا سردية الوطن بعيدا عنه وعنا، وألقوا بنا مرة أخرى في خانة الأسوأ حظا .
كنا نظن الوطن أماً رؤوما لا تفرق بين أبنائها حتى رأيناها تفطمنا قبل أن نتم نصف حول من الرضاعة، تفطمنا على الخبزوالشاي، بينما يتم إخواننا المحظوظون أحوالا لا تحول ولا تزول، ولا يفطمون عن كل حلوة من ثمار الوطن اليانعة، بل ولا يصدعون عن الكؤوس المحرمة، وبكل أسف شديد فقد تم تقسيم المواطنين إلى ذوات وسادة من جهة وعبيد من جهة أخرى.
إن أولئك الذين يدعون أنهم منا وإلينا قد باتوا يقهرون أحلامنا وهم يحيطون أنفسهم بقلاع شاهقة يتحصنون فيها...أولئك الذين غدوا على حرثهم صارمين، وأبوا وأصروا على أن لا يدخلها اليوم أوغدا عليهم مسكين...هل ثمة حلف غير معلن تبرمه جهات متنفذة في الدولة مع هؤلاء على اقتسام خيرات الوطن الشحيحة، وتهميش المستحقين من أبناء الرعاة والفلاحين، وهل بتنا حقا خارج هذا الحلف غير القانوني، وهل يمكن أن ينفض هذا الحلف وأن تتحقق العدالة الاجتماعية في الحقوق والواجبات، وأن نخرج من تلك الشبكة الفولاذية التي تضيق علينا يوما بعد يوم حتى بتنا نوشك على الاختناق، وهل يمكن العمل على إعادة الثقة إلى النفوس، ووقف ذلك النفر المتحصن خلف احتكار الولاء للدولة والقيادة عن أن يكونوا بديلا للدولة ومؤسساتها؟؟؟