في زمن كانت فيه الاموال شحيحة بأيدي اهل الحارات ، الا من رحم ربي ، وأُناس يكِدُّون ويكافحون لجلب لقمة العيش من أفواه الجوع ، فالجوع كافر ظالم ، والفقر لو كان رجلا لكان محلا لجريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد ، وآباء وأمهات يرون أن إشباع جوع ابنائهم من أنبل الأهداف الواجب القتال لأجلها وهو جهاد اكبر .
لقد دَرَج اهل الحارات المنسية على عادات إنتقلت اليهم من الآباء والأجداد ، عادات طيبة في قضاء حاجاتهم من مستلزمات البيت التي لم تكن في بيت المونة . فَتواكبوا على تدبيرها تحت مبدأ المقايضة أي بالمبادلة . وهي مبادلة سلعة بسلعة او سلعة بخدمة . فاكثر السلع التي كانوا يحتاجونها من الدكان كانت تتمثل بالسكر والشاي والحلاوة والتمر وزيت الكاز وبطاريات للراديو ، وادوات منزلية وهي سلع لا يملك الأهل على إنتاجها في بيوتهم … ... وهناك أيضا خدمات كانوا يأمنونها بالمقايضة كطهور الأبناء وتعليم القراءة عند الشيوخ وتصليح بعض ادوات المنزل كتصليح بابور الكاز او اللوكس ابو شنبر وتصليح الراديو .
الدوّاج ابو عاطف يدور راكبا على ظهر حماره الذي رافقه في كل تنقلاته وحتى مغامراته ورحلاته التي شملت كثيرا من القرى عبر الممرات الجبلية بين أشجار السنديان واللزاب والقيقب والبطم وحتى الزعرور ، وتِجواله بين دور الطين العتيقة ، وأزقة الحارات الوادعة على سفوح الجبال وأطراف الوديان وينادي : معانا قماش من كافة الانواع ، دولين وحبَر وجورجيت ومخمل ، والألون سادة وإمقلّم وإمشَجَّر ، ومعانا إمشاط ومرايا للصبايا والنسوان ووَزَلينا مُطَرِّي لليدين ، وقزايز ريحة ريحتها بتفحفح للعرسان ، وشنابر وملافع للنسوان وفيه معانا تتن هيشي قطف السنة ، ومعانا حلقوم وحامض حلوي وچعيچبان ومعانا زنانير للختيارية ، ومعانا قلّايات وصحون وقواشين …… .
كعادتهن نساء الحارات يفتشن كل البضاعة ، ويتفرَّجن على كل شيء إلا أنهن لا يشترين الا اقل شيء .
لقد كان أبو عاطف الدوّاج بمثابة مول بضائع صغير متجول ، تُسعَد بحضوره نساء الحارات المنسية ، ويتم إكرامه من رجالها…