مع نهاية كل فصل دراسي ومع اقتراب الامتحانات النهائية، تتكرر ظاهرة تؤرق الكثيرين في البيئة الجامعية، وهي تدني علامات بعض الطلبة وتأثير ذلك على المنح الدراسية الممنوحة لهم.
هذه المنح، التي تمثل دعماً مالياً وأكاديمياً، تُعطى بشروط واضحة تشكل عقداً أخلاقياً بين الطالب والجهة المانحة. لكن للأسف، حين يتخلى الطالب عن التزامه بالشروط، تبدأ محاولات الاستعطاف والتسول الأكاديمي التي تمتد إلى أعضاء هيئة التدريس، في مشهد يحمل أبعاداً أخلاقية تستدعي الوقوف عندها.
المنحة: هدية مشروطة ومسؤولية الطالب
المنحة الدراسية ليست مجرد مبلغ يُعطى دون مقابل، بل هي استثمار في الطالب نفسه. تُمنح بناءً على معايير أكاديمية وأخلاقية تتطلب التزاماً وتفانياً من الطالب لتحقيق النجاح. وعندما يُقصّر الطالب في أداء واجباته الأكاديمية، فإن فقدانه للمنحة ليس ظلماً، بل نتيجة طبيعية لتقصيره. فالمنحة ليست حقاً مكتسباً بلا حدود، بل مسؤولية يتحملها الطالب بوعيه وجهده.
ضمير المدرس: بين التعاطف والمسؤولية
عضو هيئة التدريس ليس مسؤولاً عن حماية المنح الدراسية للطلبة، بل مسؤوليته الأولى هي نقل العلم وتعزيز القيم الأكاديمية. التعاطف مع الطالب شيء، والرضوخ للبكاء والاستجداء شيء آخر. للأسف، حين يلجأ بعض الطلبة إلى هذه الأساليب، فإنهم يضعون المدرس في موقف أخلاقي صعب. لكن على المدرس أن يوازن بين إنسانيته وبين واجبه في الحفاظ على معايير العدالة الأكاديمية، لأن التهاون في هذه الأمور يضر بالجميع، الطالب والمجتمع على حد سواء.
رسالة إلى الطلبة وأسرهم
إلى الطلبة، يجب أن تدركوا أن الجامعة ليست مجرد مرحلة دراسية عابرة، بل هي مرحلة تُشكّل فيها شخصيتكم ومسؤوليتكم تجاه أنفسكم ومستقبلكم. عليكم أن تدركوا أن من يمنحكم المنحة إنما يثق بقدرتكم على الإنجاز. فلا تخونوا هذه الثقة بالإهمال أو التهاون. العلم لا يُبنى بالبكاء والاستجداء، بل بالعمل الجاد والإصرار.
إلى الأسر، دوركم لا يقل أهمية عن دور الطالب نفسه. دعمكم وتشجيعكم يجب أن يكونا في إطار تعزيز قيم الالتزام والمسؤولية لدى أبنائكم، لا دفعهم لتبرير أخطائهم أو التهاون في التزاماتهم.
شعوب تبنى بسواعد أبنائها
إن بناء الشعوب لا يتحقق إلا بسواعد قوية قادرة على تحمل المسؤولية. السواعد الهشة التي تعتمد على التبرير والاستعطاف لا يمكنها أن تصنع مستقبلاً واعداً. علينا أن ندرك أن التعليم الجامعي ليس مجرد وسيلة للحصول على شهادة، بل هو تجربة تُشكّل الأجيال القادمة التي نعوّل عليها في بناء الأوطان. لذلك، دعونا نزرع في أبنائنا ثقافة الجد والعمل، ونبعدهم عن ثقافة التراخي والاتكال.
المنحة الدراسية ليست عبئاً على الطالب، بل فرصة ذهبية يجب استثمارها. وأعضاء هيئة التدريس ليسوا أعداء للطلبة، بل شركاء في بناء مستقبلهم. الاحترام المتبادل بين الطرفين، والالتزام بالواجبات، هما الأساس لتحقيق النجاح وبناء مجتمع قوي ومتقدم. لننهض معاً بالعمل الجاد والمسؤولية، لا بالبكاء والتهاون.