يتعرض الإنسان خلال حياته لمواقف صادمة قد تترك أثرًا نفسيًا عميقًا. وعلى الرغم من أن البعض يعتقد أن نسيان الصدمة يعني تجاوزها، إلا أن الدراسات العلمية أثبتت أن الجسم قد يحتفظ بتأثيرها لفترات طويلة، حتى دون وعي الشخص بها. فكيف يحتفظ الجسم بالصدمات؟ وما الآليات البيولوجية التي تفسر هذه الظاهرة؟
ماهية الصدمة النفسية
الصدمة النفسية هي استجابة الجسم والعقل لحدث مفاجئ أو شديد التأثير يؤدي إلى اضطراب المشاعر والتوازن النفسي. يمكن أن تنتج الصدمة عن تجارب مثل الفقدان، الحوادث، العنف، أو غيرها من المواقف المؤلمة. وعادةً ما يكون للصدمة تأثير طويل الأمد، يؤثر على طريقة عمل الدماغ والجسم.
كيف يحتفظ الجسم بالصدمة؟
1. الدماغ والذاكرة الجسدية
عند التعرض لحدث صادم، يتفاعل الدماغ بطريقة مختلفة مقارنة بالأحداث العادية. يلعب الجهاز الحوفي (Limbic System)، وخاصة اللوزة الدماغية (Amygdala)، دورًا رئيسيًا في تسجيل وتخزين المشاعر المرتبطة بالصدمة. وإذا لم تُعالج هذه المشاعر بشكل صحيح، فإنها تبقى في الدماغ وتظهر على شكل اضطرابات جسدية ونفسية لاحقًا.
2. تأثير الصدمة على الجهاز العصبي
عند حدوث صدمة، ينشط الجهاز العصبي اللاإرادي، مما يؤدي إلى استجابات مثل "القتال أو الهروب” (Fight or Flight). إذا لم يتمكن الشخص من التعامل مع الصدمة، فإن الجهاز العصبي يظل في حالة تأهب دائم، مما يؤدي إلى مشاكل جسدية مثل ارتفاع ضغط الدم، التوتر المزمن، واضطرابات النوم.
3. الصدمة المخزنة في العضلات والخلايا
تشير بعض الدراسات إلى أن المشاعر السلبية الناتجة عن الصدمات قد تتراكم في أنسجة الجسم، خاصة في العضلات. هذا ما يفسر شعور بعض الأشخاص بآلام مزمنة أو تشنجات عضلية غير مبررة بعد سنوات من تجربة صادمة.
الأمراض الجسدية المرتبطة بالصدمات النفسية
يمكن أن تتجلى الصدمة النفسية في شكل أمراض جسدية، منها:
•الأمراض المناعية: يؤدي التوتر المزمن الناتج عن الصدمات إلى ضعف جهاز المناعة، مما يجعل الشخص أكثر عرضة للأمراض.
•اضطرابات الجهاز الهضمي: ترتبط الصدمات باضطرابات مثل متلازمة القولون العصبي والقرحة.
•الأمراض القلبية: يزيد التعرض المستمر للضغط النفسي من خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
كيف يمكن التخلص من تأثير الصدمات المخزنة في الجسم؟
1. العلاج النفسي
العلاج بالكلام مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج بالتعرض يمكن أن يساعد في معالجة الذكريات المؤلمة.
2. تقنيات تحرير الصدمة الجسدية
هناك طرق مثل العلاج بالحركة (Somatic Therapy) التي تساعد على تحرير التوتر المخزن في الجسم من خلال التمارين البدنية وتقنيات الاسترخاء.
3. التأمل والتنفس العميق
يمكن لممارسة التأمل وتمارين التنفس العميق أن تقلل من نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي، مما يساعد الجسم على الاسترخاء واستعادة التوازن.
4. ممارسة الرياضة
ممارسة التمارين البدنية، خاصةً اليوغا، يمكن أن تساعد في تقليل التوتر وإطلاق المشاعر المكبوتة في الجسم.
الخاتمة
يؤكد العلم أن الجسم يحتفظ بالصدمات النفسية حتى لو نسيها العقل، وتظهر هذه الصدمات في أشكال متعددة مثل اضطرابات جسدية ونفسية. لذلك، من الضروري التعامل مع الصدمات بطرق علاجية مناسبة لضمان صحة نفسية وجسدية متوازنة.