في شهر رمضان، حيث تتنزل الرحمات وتُفتح أبواب السماء، يزداد شوق المسلمين إلى الطاعة والعبادة، وتتجه أنظارهم إلى البيت الحرام، مهوى أفئدة المؤمنين.
وبين أروقة الحرم المكي، تكتمل مشاعر الطمأنينة والخشوع، ويعلو صوت الطائفين والمصلين والداعين، يرجون رحمة ربهم ومغفرته، خاصة في هذا الشهر الفضيل الذي تضاعف فيه الأجور، وترتفع فيه الدرجات.
فضل العمرة في رمضان
تميزت العمرة في رمضان بفضل عظيم وأجر كبير، بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "عمرة في رمضان تعدل حجة" – وفي رواية: "تعدل حجة معي".
وهذا الحديث النبوي يُظهر فضل العمرة في هذا الشهر المبارك، وأن من تيسر له أداؤها بصدق وإخلاص، نال أجر حجة تامة، بل وكأنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فضل لا يُدركه إلا من عرف قدر الزمان والمكان.
والعمرة في رمضان ليست فقط أداءً لشعيرة، بل هي تجديد للنية، وتنقية للروح، ووقوف بين يدي الله في أطهر بقعة، وفي أفضل وقت، لتفريغ القلب من هموم الدنيا، وملئه بنور الإيمان.
بماذا نشعر حين نرى الكعبة.. رمز التوحيد وقبلة المسلمين الكعبة المشرفة هي أول بيت وُضع للناس لعبادة الله، كما قال تعالى: "إن أول بيت وُضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدًى للعالمين" [آل عمران: 96].
هي قبلة الصلاة، ومقصد الحجاج والمعتمرين، ومركز الأرض الذي تتجه إليه القلوب قبل الأجساد. من يراها لأول مرة يشعر بعظمة المكان، وبهاء الطاعة، وهيبة الموقف، وكأنما يقف بين يدي الله تعالى.
وحول الكعبة يتجسد معنى الوحدة، فالمسلمون من كل الأجناس والألوان يقفون في صف واحد، يطوفون ويصلون ويدعون، في مشهد مهيب يختصر رسالة الإسلام في العبودية لله وحده.
العمرة في رمضان فرصة لا تُعوض، ومنحة ربانية لمن استطاع إليها سبيلًا، فهي تمزج بين بركة الزمان (رمضان)، وقدسية المكان (مكة المكرمة)، وعظمة الشعيرة (العمرة).
وفي ظل هذه الأجواء الروحانية، يخرج المسلم من عمرته كيوم ولدته أمه، متخففًا من الذنوب، متزودًا بالإيمان، مجددًا العهد مع ربه على الطاعة والاستقامة.
فطوبى لمن عانق الكعبة في رمضان، وطاف في رحابها، وسجد على ترابها، وعاد بروحٍ نقية ونفسٍ مطمئنة.