في زمنٍ كانت فيه العروبة تئنّ تحت وطأة الانكسارات، وكانت الجيوش تُركن على رفوف البروتوكولات، وتُجلد الهامات بشعارات "الصبر الاستراتيجي"… خرج من تراب الكرك رجلٌ يُشبه القصص التي لا تُكتب، والبطولات التي لا تُروى، خرج "ابن العذراء".
لا، ليس لقبه على سبيل الغزل أو الشعر… بل هذا ما نطق به رجلٌ لم يعرف المجاملة في حياته، "صدام حسين المجيد" الرئيس العراقي الراحل، حين وقف أمام بطولات رجلٍ من جبل شيحان، وقال: "هذا الرجل لم تنجبه امرأة"، إنه ابن العذراء.
إنه خالد هجهوج المجالي، الأردنيّ العتيق، ابن السيف والتراب، الذي استعان به صدام حسين في أيام الساعات الحرجة من الحرب العراقية الإيرانية، ليكون مخطط معركة الفاو وقائدها الميداني… وما أدراك ما الفاو؟! كانت عنق الزجاجة، وكانت معركة كسر العظم، وكانت الورقة الأخيرة في دفتر حربٍ امتدت 8 سنوات.
خلال 35 ساعة فقط، كُسرت شوكة الفُرس، وعاد الخليج عراقياً كما كان… وكما يجب أن يكون.
خالد المجالي لم يكن بطلاً موسمياً يظهر في نشرة الأخبار، هذا الرجل قاتل في فلسطين عام 1948، وشارك في معارك عام 1967، وخاض معركة الكرامة عام 1968، ثم شدّ خيله إلى الجولان، وقاد اللواء 40 الأردني في حرب 1973… وهناك، في سفوح الشام، كتب شهادةً جديدة للتاريخ.
يقول الضباط السوريون (في فيديوهات مسجلة)، وتُسجّل شهاداتهم في كتب ومحافل، إنه لولا تدخّل اللواء الأربعين الأردني بقيادة المجالي… لكانت دمشق قد سقطت في يد العدو الإسرائيلي! نعم، ولكانت النكسة قد اكتملت فصولها على أبواب الجامع الأموي.
لكنه عاد بصمت… لا أوسمة، لا كاميرات، لا مؤتمرات. عاد كما يعود الأبطال… محنيّ الظهر من ثقل البطولات، لا من الخذلان.
أخبروني بالله عليكم، كم مثل خالد المجالي نعرف؟ وكم منهم قضى بصمت… ونحن نُصفّق لـ"نجوم" الكاميرات، و"أبطال" تويتر وفيسبوك؟!
ابن العذراء… ليس فقط لقباً، هو صكّ شرف، لا يُمنح إلا لمن خاضوا النار بأقدامهم… وسجلوا بطولاتهم في كل أرض عربية.
رحم الله ثعلب الدروع، ابن العذراء، القائد خالد هجهوج المجالي.