كان من أكثر الأخطاء التي اُوقع فيها شعبنا عبر تاريخه الحديث، الدخول في وحدة اندماجية مع الشمال، افتقدنا فيها للدولة، وخسرنا فيها الأرض والثروة والسيادة، بقطع النظر عن دوافع هذه الوحدة لنا كجنوبيين، حيث تحولت تلك الوحدة بعد وقت وجيز إلى احتلال، بإقدام قوى النفوذ في الشمال على اجتياح الجنوب، وفرض أمر واقع على أبنائه، وتكريس الوحدة وفقا للمفهوم الذي تحمله تلك القوى (قبلية ودينية)، مفهوم أبعد ما يمكن أن يكون عن متطلبات الدولة، التي لم تكلف تلك القوى نفسها على التفكير في بنائها، فالدولة وفق مفهومها المتعارف عليه لا تستقيم أساسا في ظل وجود مثل هذه القوى بعقلياتها التقليدية.
عبر أبناء الجنوب عن مطالبهم باستعادة دولتهم بطرق شتى، مدنية وميدانية، وما حدث فيما بعد ٢٠١٥م من هبوب الجنوبيين للسيطرة على الأرض، كان أحد أبرز الأساليب المساهمة في استعادة الحق الجنوبي، تزامن ذلك مع توجه إقليمي لإسناد القوى الجنوبية التحررية، التي أظهرت استماتة عجيبة في تقديم التضحيات وصنع الانتصارات على طريق استعادة الحق المسلوب.
تعاطينا اليوم مع مجريات الأحداث من حولنا ينبع أساسا من اعتبارات سياسية بحتة، يأتي في طليعتها موضوع استعادة الدولة، والعمل بأقصى ما يمكن في خدمة هذا المشروع الوطني، إذ فقد بلورت الحرب الراهنة واقعا على الأرض يصعب تجاوزه أو إنكاره؛ الوجود الحوثي في الشمال، وسيطرة جنوبية على الأرض، كنتيجة حتمية للصراع الذي تولد بعد الوحدة وتحديدا بعد حرب صيف ١٩٩٤م، حيث جاءت حرب ٢٠١٥م كامتداد متأخر لها.
واقع السيطرة على الأرض بشكله الراهن يعزز من فرص استعادة الدولة الجنوبية، التي أخذت شكل متقدم على طريق بناء مؤسسات مدنية وعسكرية قادرة على الدفاع عن البلد ودرء مختلف التهديدات، التي لا تقتصر بالضرورة على التهديد الحوثي رغم أهمية ذلك، حيث أثبتت الوقائع الميدانية قدرة أبناء الجنوب على صد اعتداءاته، بل والتوغل في العمق لإيجاد حزام حدودي لحماية المناطق والقرى الجنوبية من أي مخاطر.
إلى ذلك يمثل أمامنا مخاطر الإرهاب الذي تمارسه قوى الإخوان، بعد انحسار نفوذها في مناطق الحوثيين وانتقالها إلى محافظات جنوبية، حيث تحتم علينا الضرورة الوطنية والقومية العمل على تطهير البلد من الجماعات الإرهابية، وفرض طوق أمني على الحدود مع الشمال، لمنع تدفق العناصر الإرهابية، والعمل في الداخل على إيقاف مصادر تمويل الإرهاب، ومنع استقطاب المزيد من العناصر إلى صفوفه.
بنظرة استراتيجية تكمن المصلحة الجنوبية على المدى البعيد، في العمل على خلق واقع تتوازن فيه القوى السياسية المسلحة على الساحة الشمالية، بما يسمح في خلق واقع معقد على المسرح السياسي، فجميع تلك القوى على تناقضاتها يراودها حلم العودة للجنوب، برغم خيباتها وانكسارها على أسواره.