العبابنة تكتب ... " الأردن أولا... بين حرية التعبير ومسؤولية
الكلمة"
نيروز – اربد / بقلم: الدكتورة سناء عبابنه
في وطن النشميات والنشامى، حيث التاريخ يخط
سطوره بعزيمة الأحرار، وحيث القيادة الهاشمية تمضي بثقة نحو المستقبل، تبقى الكلمة
سلاحا ذا حدين: تبني أو تهدم، توحد أو تفرق. وهنا، تتجلى قيمة الوعي الجمعي في ترشيد
الخطاب العام، وترسيخ ثقافة الانتماء، لا سيما في ظل التحديات المتراكبة التي تحيط
بالأردن، داخليا وإقليميا.
ليست حرية التعبير رخصة مفتوحة للعبث أو التفلت،
وليست منصة لصب الزيت على نار الفتن، بل هي مسؤولية وطنية عظيمة تتطلب الحكمة، وتستلزم
الاتزان في الطرح، والانتصار للمصلحة العامة فوق الأهواء والمصالح الضيقة. فالوطن ليس
ساحة جدل عشوائي، بل كيان حي يتنفس من صدق مواطنيه، ويقوى بتماسكهم، ويتعافى بوعيهم.
نعم، إن الكلمة حق، وهي من أسمى أدوات التعبير
في المجتمعات الحرة، لكنها قد تصبح خنجرا مسموما إن خرجت عن سياقها، أو انحرفت عن مقاصدها،
فتحولت إلى أداة لتأليب الرأي العام، أو إثارة الفرقة، أو النيل من مؤسسات الدولة التي
تذود عن أمن الوطن وتصون كرامة الإنسان.
ما بين حرية التعبير وإساءة التعبير خيط رفيع،
لا يراه إلا أصحاب البصائر ومن يحملون في قلوبهم حب الوطن، لا أولئك الذين يقتاتون
على الفوضى، أو يعتاشون من حالة التشكيك والتأليب. فالأوطان لا تحتمل الأقلام المرتجفة
في أوقات الشدة، بل تحتاج إلى إعلام مسؤول يزرع الأمل لا الإحباط، ويبني الثقة لا الشك،
ويغرس الانتماء لا التمرد المجاني.
وقد لخّص أحد كبار المسؤولين الأمنيين هذه
المعادلة الدقيقة حين قال: "حرية التعبير لا تعني حرية التهجم على
الوطن، ولا ينبغي أن تتحول المنابر إلى معاول لهدم الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
الكلمة قد تكون طلقة أو درعا، فاختر جانب الوطن."
إن مؤسسات الدولة ليست كيانات منفصلة عن الناس،
بل هي انعكاس حقيقي لإرادة الشعب، وامتداد لحمايته وأمنه واستقراره. الوقوف إلى جانبها
في اللحظات المفصلية لا يعد خصما من رصيد الحريات، بل هو رصيد إضافي في ميزان الأمن
الوطني، ودليل على نضج الوعي المجتمعي، ورُقي المفهوم المدني للمواطنة.
علينا أن نعي أن الأوطان لا تبنى بالصراخ،
ولا تنهض في ظل الفوضى، بل تشيد بسواعد المخلصين، وتحمى بعقول الواعين، وتصان بأقلام
تعرف متى تكتب، ومتى تصمت، ومتى تنحاز للحقيقة بعيدا عن الإثارة والتجييش.
فلنحذر جميعا من فتنة قد تخرج من منشور أو
تصريح، ولنضع أمن الوطن وسلامة الإنسان فوق كل اعتبار. لنعل من شأن المسؤولية الإعلامية،
ولنربي في أجيالنا حسنا وطنيا يدرك أن الكلمة موقف، وأن الوطن ليس مساحة للعبث، بل
عهد علينا أن نحفظه ونصونه.
حمى الله الأردن... ودام حصنه منيعا بقيادته
وشعبه ومؤسساته.