في تطور مفاجئ ومؤثر، كشف "حفار القبور" الشهير الذي لطالما حيّر العالم بشهاداته الصادمة حول الفظائع المرتكبة في سوريا، عن هويته للمرة الأولى. وعرّف نفسه باسم محمد عفيف نايفة، وهو من سكان العاصمة دمشق، وذلك خلال مشاركته في مؤتمر عربي عُقد في جامعة هارفارد الأمريكية. هذه الخطوة تمثل لحظة محورية في سلسلة طويلة من الشهادات التي أسهمت في فضح الانتهاكات المروعة التي ارتُكبت بحق المعتقلين السوريين خلال سنوات الحرب.
تفاصيل مروعة من داخل المقابر الجماعية
في حديثه العلني، سرد نايفة شهادته التي لطالما حُجبت خلف اسم مستعار. وأوضح أنه بين عامي 2011 و2018 كان مكلفًا بدفن جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري. وذكر أن شاحنات ضخمة كانت تصل من المستشفيات العسكرية والفروع الأمنية مرتين أسبوعيًا، وهي محملة بما يتراوح بين 300 إلى 600 جثة، تشمل أطفالًا ونساءً وشبابًا تم تعذيبهم حتى الموت. كانت الجثث تُوارى الثرى في مقابر جماعية مجهولة، دون تسجيل أو توثيق.
الشهادات التي هزّت العالم
نايفة سبق أن أدلى بشهاداته أمام الكونغرس الأمريكي، وكذلك في محكمة جرائم الحرب المعنية بسوريا في ألمانيا، حيث شكلت تصريحاته، إلى جانب آلاف الصور التي سربها الضابط المنشق المعروف باسم "قيصر" (فريد المذهان)، مادة دامغة دفعت باتجاه فرض عقوبات دولية على نظام الأسد، كما كشفت للعالم حجم المأساة التي عاناها الشعب السوري طيلة سنوات النزاع الدموي.
دعوة لرفع العقوبات وإنصاف الشعب
وفي مفارقة مؤلمة، طالب نايفة خلال مداخلته برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، والتي ساهمت شهاداته في فرضها، مؤكدًا أن الشعب السوري هو من يدفع الثمن اليوم، رغم مرور أربعة أشهر على سقوط النظام، بحسب وصفه. وشدد على أهمية تقديم كل من تورط في الجرائم بحق السوريين إلى العدالة، معتبرًا أن القصاص العادل هو السبيل الوحيد لترميم جراح سوريا المنكوبة.
من شاهد صامت إلى شاهد حق
محمد عفيف نايفة لم يعد ذلك "الشاهد المجهول" الذي يروي القصص من خلف الستار. بل بات وجهًا معروفًا لقضية إنسانية عالمية، وشاهدًا حيًا على جرائم هزّت الضمير العالمي. وبينما تتوالى ردود الأفعال على تصريحاته، تبقى قصته مثالًا حيًا على دور الشهادات الفردية في تحريك ملفات حقوق الإنسان الدولية، وكشف ما خفي من الجرائم التي طالت الأبرياء في زمن الحرب السورية.